المدن الميتة في سورية كنوز أثرية في رحلة لكيفن راشبي إلى سورية
المدن الميتة في سورية كنوز أثرية في رحلة لكيفن راشبي إلى سورية 2010-01-12https://www.otlaat.com/arabtravelers...cd6ae34163.jpgنوبلزنيوز: كتب كيفن راشبي -أحد صحفيي جريدة الغارديان البريطانية- في الصفحة الثامنة من عددها الصادر يوم السبت الماضي 9 كانون الثاني 2010 عن زيارته إلى سورية، التي شملت دمشق، معلولا، قلعة الحصن، حلب، المدن الميتة، وعين دارا، في مقالة عنونها بـ: «المدن الميتة الغامضة في سورية»، نُشرت أيضاً على موقع الجريدة الالكتروني. وفيما يلي لمحة عن المقالة:
يبدو العنوان وكأنه فيلم من سلسلة «إنديانا جونز»، ولكن القرى البيزنطية المهجورة في سورية -والتي نادراً ما تزار- هي بالواقع كنوزٌ أثرية.
لقد وصلتُ إلى سورية من يومين، ولكن التركيبة المدهشة لتاريخها الحضاري والثقافي أصبحت واضحة بالنسبة لي. في دمشق، أتابع سيري إلى مدخل المدينة القديمة عبر الأسوار مراقباً الأحياء في الخارج وأرى المساجد والكنائس. لقد تجولتُ فيها لمدة ثلاث ساعات مساء البارحة، ومشيتُ فيها بضع عشرات من الأمتار، هناك الأعمدة الرومانية في جدران من العصور الوسطى، ثم هناك شارعٌ أسسه الإسكندر المقدوني، وبالقرب منه محلات في أسواق تبيع السجاد العتيق، الخضار، القماش، مجوهرات من اليمن، وحجارة اللازورد من الشرق.
معلولا
من دمشق، توجهتُ إلى قلعة الحصن متوقفاً في معلولا، وهي بلدة صغيرة تنتشر منازلها على سفح منحدر شديد، حيث تجد مفاجأة أخرى: «إنه المكان الأخير، حيث تسمع اللغة الآرامية، وهي لغة لسان يسوع المسيح». أما في دير القديس سركيس للروم الأرثوذكس، فيمكنك أن ترى السياح يجلسون ويستمعون إلى الصلاة باللغة الآرامية. لقد كانت مرافقتي السياحية غير متفائلة بمستقبل هذه اللغة الأصلية: «لقد بقيت خمسون عائلة فقط تتكلم هذه اللغة في معلولا».
قلعة الحصن
وفي قلعة الحصن، هذه القلعة الصليبية، المكان الرائع الذي انتقاه الكثير من الآثاريين والمؤرخين لهو مكان مليء بالغموض. وجدتُ تلك النافذة الحجرية حيث صفان من الزخارف، في مشهد ذكَّرني بمشهد آخر شاهدته من قبل. لم أتوقع أن أرى ثلجاً بهذه الكثافة، ولكن سورية مشهورة بإدهاشك بين وقت وآخر. فاجأني شاب سوري كان يرافقني بعض الوقت يقاطعني ليقول: «إنها لعبة، وهي المنقلة» ويشير بإصبعه إلى الحفرات الأربع عشرة، إنه يقف قرب النافذة ويمد يديه من خلالها وكأنه يحضن المنظر «أليس هذا المنظر رائعاً، أتوق لأن أكون هناك طيلة الوقت».
وصلتُ إلى المدن الميتة حيث يوجد 780 تجمعاً مهجوراً يعود إلى مابين القرنين الخامس والثامن الميلاديين، ممتدين على مساحة كبيرة من شمال سورية.
سرجيلا
في سرجيلا والتي تبعد ساعة عن حلب، وجدتُ واحداً من أكثر المواقع التي حافظت على بنيتها الأصلية، ممتداً على أرض مرتفعة. في الواقع كانت هذه الأرض بلدةً حيث كان سكانها يصنعون زيت الزيتون والنبيذ، واشتهروا في بدايات الإمبراطورية البيزنطية. من الممكن رؤية هذا الحجر الكبير الذي كان يعصر الزيت والعنب متوضعاً إلى جانب الأروقة الرائعة لمساكنهم الفاخرة ذات الطابقين. لقد تجولتُ بين أطلال تلك المساكن الفاخرة مكتشفاً حمامات البلدة وكنيستها، معجباً بعمارتها وعناصرها وأحجارها الزهرية. لقد أظهرت أشعة الغروب عناصرَ زخرفيةً بينها صلبان وكتابات قديمة. إنها مكان عجيب سحري، خصوصاً في ساعات المغيب.
لقد تمَّ التنقيب في العديد من تلك المدن الميتة من قبل آثاريين، ثم فتحت للزوار بلوحات دلالية مفيدة، والبعض من تلك البلدات موجود على قرى مأهولة: «ترى أبراجاً حجرية أثرية منتصبة داخل حدائق المنازل، وبقايا عتبات أبواب ما بين أشجار الفستق الحلبي»، حتى أننا في قرية القاطورة اضطررنا لعبور حظيرة ماعز لنصل إلى مدخل مدفن محفور في الصخر يتوضع تحت منزل حديث، ورأينا داخل دهليز ذاك المدخل بقايا كتابات يونانية، وداخل المدفن وجدنا قبراً بقطع حجرية ضخمة.
أمضيت ليلتي في حلب، في واحد من الفنادق العديدة الموجودة في حي الجديدة، وأكلت في أفضل مطاعم المدينة، حيث يلبس الندلاء ثوباً أسوداً ويقدمون نبيذاً سورياً ممتازاً، وبأسعار مناسبة جداً. وعلى المنصة، يعزف الموسيقيون على العود إلى جانب الكمان، مثالاً على الطبيعة الممزوجة لهذه المدينة الملونة والمتنوعة، والتي كانت محطة رئيسية على طريق الحرير.
عين دارا
في اليوم التالي توجهنا إلى شمال المدن الميتة لنصل إلى عين دارا، وتسلقنا تلاً صغيراً يطل على وادي عفرين، حيث تنتشر حقول شاسعة من الرمان والفستق الحلبي. على قمة ذاك التل، توجد بقايا معبد من العصر الحديدي يعود إلى 1200 سنة قبل الميلاد، وهو عبارة عن تجمعين كبيرين، الأول محاط بتماثيل محفورة على البازلت لأسود أسطورية.
وبعد أن نزلنا التل، توجهنا إلى الموقع الأثري الأكثر شهرة في المنطقة وهي كنيسة سمعان العمودي، تلك الكنيسة الكبيرة التي توسعت بشكل كبير في أواخر القرن الخامس الميلادي. تحتوي هذه الكنيسة على عمود حجري حيث أمضى القديس سمعان السنوات الست والثلاثين الأخيرة من حياته، حتى وفاته عام 459م. لقد كان لمحاولة القديس سمعان بالتزهد على عموده ذي الثمانية عشر متراً تأثيرٌ كبير، فقد كان الناس يحتشدون بكثافة لرؤيته.
في اليوم التالي وهو الأحد، قررتُ أن أتجول بين كنائس حلب وأكتشف بنفسي التسامح الذي كان يحدثني عنه مرافقي السياحي الذي رافقني في هذه الجولة. لقد قال: «لم لا؟ إن السيد المسيح نبي في الإسلام أيضاً». كانت بداية جولتي في كنيسة الأربعين شهيد للأرمن والتي تعود للقرن الرابع الميلادي. تحت أيقونة كبيرة تمثل يوم الدينونة، وقف الكهنة ينشدون ويتلون صلواتهم بثيابهم الملونة ناثرين البخور. بعد ذلك، زرنا الكنيسة المارونية، وكنيسة السريان، ودير اللاتين.
بعدها ذهبنا إلى مقهى لشرب القهوة وتدخين النرجيلة في واحدة من المقاهي التقليدية الجميلة، حيث يجلس كبار السن يلعبون الورق والدومينو لساعات.
جامع حلب الكبير
ثم قمنا بزيارة مشهد الحسين في بناء بهي ومزدحم، وعند خروجي تقاطعتُ مع رجل كان قد أنهى صلاته للتو. وبسبب ملامحه الجدية، توقعتُ حواراً من نوع آخر ولكني كنتُ مخطئاً، فقد سألني بلهجة إنكليزية جيدة وقوية: «هل أنتَ من إنكلترا؟ لا فرصة أمامكم للربح هذه المرة. أنا متأكد أن الفوز سيكون من نصيب البرازيل»، توقفنا في الممر وناقشنا توقعاتنا لكأس العالم الصيف المقبل.
خرجنا ونحن نسمع أجراس الكنائس مختلطة مع صوت آذان الجامع الكبير في أجواء المدينة.
وفي نهاية مقالته، ذكر راشبي معلوماتٍ عن شركات الطيران التي تصل إلى دمشق، ومواعيدها وأسعارها، وكذلك المكاتب السياحية في لندن التي تقدم برامجَ سياحية إلى سورية، وكلفة هذه البرامج.
الجارديان البريطانية - ترجمة بتصرف: طوني جرّوج
