رد: اقتحموا مجاهل الامازون
لم ينته اليوم الثاني الا وقد اكرهنا شملنسكي على المجازفات .وصنع منا طاقما لا بأس في كفايته. ومع اننا لم نكن اقوياء الا اننا بتنا قادرين على التجذيف كفريق منظم.نضرب بمجاذيفنا باهتياج مسعور استجابة لتوجيهاته الملحة.
كانت وظيفتي "سائقا" في طوفنا.اذ عهد الي في استكشاف المنحدرات المائية بقدمي قبل اقتحامها الفعلي .لكن الحقيقة هي ان شملنسكي هو الذ=ي تولى الاستكشاف فيما كنت اجر نفسي وراءه.ولكم زلت قدماي على الصخور الملساء حتى اصطبغت ساقاي بعد يومين بلون أرلاجواني مزرق.وغشت القروح والندوب وجهي ويدي. وندب شملنسكي نفسه لعمل لا يحسد عليه. وهو تعليمي سبيل انتقاء مسار امن عبر الابوريماك المتعرج. وكنت كلما طلب مني انتقاء طريق اختار دربا لو اقتفيناها لادت بنا الى هلاك محتم.كأن نتسمر تحت "مصفاة"من الجلاميد.كان شملنسكي ينظر الي آنذاك باحياط يائس ثم يروح يدلني على طريق اكثر سلامة. واذ نستذكر الانعطافات والتوقفات التي يتعين علينا القيام بها خلال اقتحامنا الفعلي للمساقط المائية كان يخاطبني بلغته الانجليزية الركيكة فتجري محادثتنا كالاتي:
-حسنا يا : جو.صخر بوينتي.
-انه قاتل من غير ريب. اضرب انا بمجذافي فتتوقف انت.ننعطف الى اليسار ثم نستقيم في سيرنا.نقتحم. اننا نكافح حفاظا على حياتنا. انه قاتل لكنه ليس مشكلة.
-صخر بوينتي قاتل ولا مشكلة.
ولكن ما ان ندخل احد المساقط المائية حتى تتبخر خطتنا الايقاعية المرسومة والمدروسة في اذهاننا .فيضبط شملنسكي تجذ=يفنا بأوامره الحازمة التي يصدرها بنبرة قاسية جافة...
رد: اقتحموا مجاهل الامازون
في اليوم الاخير لاندفاعنا نحو جسر كونياك.أخضع نهر الابوبريماك شملنسكس لاختبار عسير كقائد ومعلم.فهخناك واجهنا أسوء ممنحدراتنا المائية. وهو في الواقع سلسلة من مساقط الدرجة الخامسة تلك التي تنذر بعواقب مميتة في حال حصول صعوبات فنية. وتعتبر مساقط الدرجة الخامسة قريبة جدا من الحد الاقصى للمياه القابلة للاقتحام...
استكشفنا هذه السلسلة البلغ طولها حوالي 800 متر على مدى ساعتين.وبعد ذلك انتقى شملنسكي خط النزول.كان هناك جلمودان يشكلان مسقطا ضيقا في اعلى السلسلة. وإذ يشق النهر طريقه عبرهما يتفجر كالوقود المندفع من مكرب سيارة ويتساقط على شلال قصير مكونا في الاسفل ّ سجانةّ والذين يعلقون في شرك السجانة يدورون بضع دورات جنونية قبل ان يتسنى لهم التخلص منها.
وتحت كل ذلك تزبد المياه الكدرة الهائجة التي تدرك بمجرد النظر اليها انها قادرة على تهميشك وإرسالك الى البيت في كرسي للمعاقين.
قال شملنسكي : إنه قالتل.
وكنت اعرف الرد الصحيح: لا مشكلة....
رد: اقتحموا مجاهل الامازون
صعدنا الى طوفنا وجذفنا الى الوراء متملصين من الدوامة واستدرنا عكس مجرى النهر.ففي التجذيف ضد التيار تسنى لنا ضبط الطوف الى حد ما.ثم ادرنا مقدم الطوف ودخلنا ببطء مجرى الماء المتسارع.
وفيما اندفعنا كلنا فوق الشلال احسست انا كمن يهبط في قطار افعواني سريع في مدينة الملاهي. وانتابني شعور مرضي لذيذ كمن يهبط في الفراغ. ارتفعت الامواج جدرانا حولنا ورمتنا على جلاميد عدة. وكانت اصوات ارتطامنا بالصخور تطغى على هدير النهر...
فجأة وجدنا انفسنا مسمرين الى احد الجلاميد والشلال يهدر عند اقدامنا. وحدقت الى صخر حاد كالسكين في اسفل الشلال.وتشبثت بالطوف بكل قوتي. وتعالى صراخ شملنسكي يائسا وملحاحا محذرا كما لم اسمعه من قبل واذا بنا بعد لحظات ننساب بهدوء في النهر تحت الشلال ونحن نلهث مجهدين. ولفنا الصمت ونحن ماضون في المياه الساكنة وكأننا تمازجنا والنهر في كيان واحد...تمر بنا الجبال والجلد مواكب لا تلبث ان تغيب وراءنا.
قال شملنسكي بعد برهة من التقاط الانفس : احسنتم يا شباب. كدنا ننقلب لكننا لم ننقلب. ثم صافحنا واحدا واحدا فغمرنا الابتهاج بانجازنا الرائع....
قال شملنسكي: ليست الفكرة ان نقهر النهر. فالنهر ينتصر دائما وهو لا يبالي.نحن نحاول اقتحام النهر لان بنا حاجة الى المحاولة. المياه المزبدة تسري في دمنا انه شيئ لا ينسى ابدا.
في تلك الليلة دلفت الى خيمتي منغلقا على مخاوفي وحاولت القراءة. ولكن سرعان ما القيت الكتاب جانبا.كنت مضطرب الفكر فقد طلبت البقاء في الطوف حتى اقتحام كامل النهر الزاخر بالمساقط المائية. وحين استجيب طلبي لم اعد مقتنعا انني اريد ذلك حقا.فبدأت تنتابني كوابيس اراني فيها اغرق في اللجج من دون ان اموت فعلا فأدركت الى اي حد يبعث النهر الخوف في الانفس.