عبدالعزيز الجنداري

تعتبر مدينة جبلة التاريخية درة بيضاء في جبين التاريخ الإسلامي وتميزت بجمال وروعة مبانيها وقصورها ومساجدها الإسلامية، وأسسها عبدالله الصليحي عام 458هـ ـ 1065ـ 1066م وبني قصرها المنيف المعروف بدار العز الأولى، ويذكر ابن المجاوز أن جبلة سميت على اسم يهودي اسمه جبلة وكان يبيع الفخار وفي عام 480هـ ـ 1087م أمرت السيدة بنت أحمد الصليحي بتحويل دار العز الأولى إلى مسجد جامع عند انتقالها إلى جبلة من صنعاء واتخاذها عاصمة للدولة الصليحية بعد مرض زوجها الملك المكرم أحمد بن علي الصليحي والذي فوضها في أمور الحكم وتدبير شئون الدولة الصليحية.

والمسجد بني على غرار المساجد الجامعة الشائعة وهو عبارة عن فناء مكشوف تحيط أروقة الجامع في جهاته الأربع وأعمقها رواق القبلة في الجهة الشمالية والذي يتكون من ست بلاطات بواسطة ثلاثة صفوف من الأعمدة والتي تحمل تيجاناً حادة الحواف أنشئت حديثاً يرتكز عليها سقف الرواق، ويتعامد بالعرض مجاز قاطع إلى المحراب ويتميز سقفه بوجود المصندقات الخشبية المزينة بالزخارف البديعة المختلفة والملونة ويذكر الدكتور مصطفى شيحة رحمه الله في كتابه مدخل إلى العمارة والفنون الإسلامية في الجمهورية اليمنية أن تاريخ هذه المصندقات تعود للقرن الخامس الهجري هو تاريخ عمارة المسجد، ويعتبر هذا السقف غاية في الروعة والإبداع تجلت فيه موهبة الفنان المسلم في اليمن في الفنون الزخرفية، ويقع المحراب في منتصف الجدار الشمالي وهو عبارة عن تجويف تغطيه قبة صدفية الشكل غير منسقة، يحف بالمحراب من الجانبين عمودان مزخرفان يعلوهما عقود مدببة مليئة بالزخارف النباتية المتنوعة يحيط بهما الأشرطة الكتابية يقرأ منها «بسم الله الرحمن الرحيم» وأعبد ربك حتى يأتيك اليقين، وكذلك «إن الدين عندالله الإسلام ... إلخ وبينهما الآية «أقم الصلاة ولاتكن من الغافلين» وفي هذا الرواق يقع قبر سيدة بنت أحمد الصليحي في الركن الشمالي الغربي وهو مربع الشكل وتزخرف واجهاته زخارف معمارية جميلة الشكل، تأخذ شكل الكرة تعلوها عقود محمولة على أعمدة صغيرة، وفي الجهة الجنوبية يوجد مدخل صغير يكتنفه من الناحيتين كرة عليها عقد مدبب تحيط به أشرطة من الزخارف النباتية أما الأروقة الأخرى فالشرقي يتكون من بلاطتين بواسطة بائكتين بكل واحدة منها ثمانية أعمدة ترتكز عليها عقود مدببة الشكل والرواق الغربي من بلاطتين والرواق الجنوبي يتكون من بلاطة واحدة. ويوجد مئذنتان إحدهما في الناحية الشرقية وتتكون من قاعدة من الحجر مربعة الشكل عليها بدن مضلع من الآجر عليه زخارف جصية، ويعلو البدن شرفة المئذنة وعليها زخارف تأخذ شكل المقرفصات والدلايات الصغيرة ويعلوه بدن منمنمات عليها عقود وتنتهي المئذنة بقبة صغيرة مضلعة. ويذكر شيحة أن المئذنة جددت مؤخراً لوجود تاريخ أعلى المدخل المؤدي إليها يرجعها إلى عام 747هـ ـ حيث يقرأ «لا إله إلا الله محمد رسول الله، جددت هذه المنارة في شهر المحرم سنة سبع وأربعين وسبعمائة» وأورد نص التجديد «جددت في زمن الحاج أحمد عبدالله باسلامة في مدينة إب». أما المئذنة الغربية فهي تتكون من قاعدة مبنية من الحجر، يرتكز عليها بدن مضلع يعلوه بدن مستدير الشكل عليه شرفة صغيرة ويعلوه بدن قصير ينتهي في أعلاه بالقبة، وبدن المئذنة عليه زخارف متنوعة ومعظم، بدنها مطلي بالجص.

وذكر السياغي في كتابه معالم الآثار اليمنية «ومن الآثار الإسلامية من جبلة: ماعليه المملكة الصليحية السيدة بنت أحمد الصليحي، في عمارة الطرقات الباقية آثارها إلى الآن وكذا ما أجرته من العمل الجبار الذي يلحق بأعمال الأوائل، وهو عمارة العقود المتواصلة ، من جبل المشنة إلى المدينة، وجعلت فوقها ساقية للماء، أضرحة من الجبل إلى المدينة للشرب والجامع، وكان ذلك العمل آية في القدرة على الأعمال الجبارة والبناء، وذكر أنه تم التعدي عليه من بعض الأهالي وادى إلى خرابها وأخذ أحجارها، فتسابق الناس إلى النقض والخراب، والاستيلاء على الأحجار وعمروا منازل لهم». وذكر أيضاً «أن من آثار السلطان الطاهري عامر بن الوهاب إجراء الماء الذي أنزله من بعدان، وأوصله إلى أزقة المدينة وشوارعها ومساجدها، وجعل له من تحت السور إلى السائلة العظمى لدخول الماء إلى المدينة لئلا ينقطع، ويتحيل عليه عدو لقطعه، ورصف الشوارع بالأحجار المتلاصقة وعمر الحمام العام هذا للدلالة». وفي تاريخ جبلة الحديث قام أحد أبناء المنطقة بإنشاء متحف في المدينة أطلق عليه متحف الملكة أروى جمع فيه بعض المعروضات التراثية ومخطوطات متنوعة، ومعرض صور لأهم معالم جبلة التاريخية مصاحبة ببطائق الشروح التعريفية لمحتويات المتحف، ونبذة تاريخية عن المدينة وهذا المتحف والذي أنشئ من قبل القطاع الخاص ولايخضع لإشراف الهيئة العامة للآثار والمتاحف، الجهة المعنية بإنشاء المتاحف وتطويرها إلا أنه يعتبر نواة لمتحف إقليمي للمدينة وربما في المستقبل لمحافظة إب بكامل مديرياتها، كما حظيت المباني التاريخية في المدينة مثل دار العز والذي بنته السيدة بنت أحمد الصليحي والمسجد الكبير بأعمال ترميمات وصيانة بدعم من الصندوق الاجتماعي للتنمية.

إن مدينة جبلة بمعالمها التاريخية والحضارية والتي تعبر عن ازدهار وروعة فنون العمارة والزخرفة في العصور الإسلامية، جديرة بأن تحظى برعاية الدولة والحكومة ممثلة بوزارة الثقافة والأوقاف بالتعاون مع الجهات المانحة والداعمة للمشاريع الثقافية في اليمن، هذا مانأمله ونرجوه.

مواضيع عشوائيه ممكن تكون تعجبك اخترناها لك: