بسم الله
السلام عليكم
أبغى أتكلم شويه عن الماضي القريب ، يعني قبل أربعين سنة تقريباً ، وعن حارة عزيزة على قلبي ، حارة في مدينة جدة في السعودية ، هي حارة الهنداوية
كنا في سن الصبا غير اللعب واللهو ما عندنا ، حياة بسيطة ما فيها كلفة ولا مشقة ، متسهلة من عند ربنا ، ناس قلوبها طاهرة ، بارك ربنا في حياتهم وبكل شئ لديهم ، فاللقمة تأكِّل عشرة ، صدقوني ما أبالغ
العصرية كانت فلكور منوّع : ساعة يِعَدُّي بياع المنفوش وصوته اللي يلعلع : " منفوش هيا منفوش " ، وأيش من منفوش ! شيئ تأكل أصابعك وراه ، المنفوش يا أحبابي هو دقيق من القمح أو الذرة تنحط على صاج بعد عجنها على شكل قرص كبير ورقيق مرة ، يعني مقاس قطر القرص ما كان يقل عن 60 سم ، ويتكسر من رقته ، وكنا نشتريه بقرشين ، واللي ما عنده إلا قرش يقوم راعي المنفوش يقطع له نصف المنفوش بسكينة ( قطعة من غطاء علبة صلصلة )
وبعد المنفوش .. يِعدِّي صاحب الغُرَيبة وحلاوة السمسم والنارجين ، ووراه بياع الفول والترمس ، وما أحلى صوته وهو يقول : " فول على ترمس والنافع الله يا حلبة " ، وتلاقي كمان بياع اليَغمُش شايل قِدرُه فوق راسه وجالس يجول في الشوارع كل عصرية ، يعني بتلاقي البياعين أشكال وألوان .. شئ تراثي
أما الصَّنايعِيَّة .. فكانوا يتجولوا في الأحياء وهم المنجدين ومصلحي الدوافير ، طبعا زمان .. الناس بتنام على طراريح قُطُن ، وبعد فترة من الزمن القطن ينضغط ويصير قاسي ولا بد من نَفشُه ، فيجي المُنَجِّد ومعاه العصاية حقته ويجلس ينفُش في القطن إلين تصير متباعدة عن بعضها ويرجع يحشيها داخل الطرَّاحة من جديد ويقفلها بالخياط ، ويأخذ أجرته وكانت ما تتعدى ريالين
أما مصلِّح الدَّوافير فكانوا من الجنسية الفلسطينية ، وكان مصلح الدوافير فنان وكنا نحترمه ونشوفه مهندس لأنه بغير الدوافير ما نقدر نطبخ الأكل إلا بطباخات القاز المتعبة واللي تسوِّد القدور ، فكانت أغلب الدوافير يصير فيها تنسيم ، فيجي المهندس ويجلس يشوف مكان الخرم ويجلس يصنفر فيه ويحُط الكاوية حقته على النار ويحُط التيزاب واللحام على الكاوية إلين يِسيل ، فيقوم حاططه على مكان الخُرم ويتركه دقيقتين يبرد ، بعدها يقوم بضربه بالشاكوش كم ضربه إلين يِثبَت ويسُد الخُرم ، وبتلاقي الأولاد بيتفرجوا عليه وقت التصليح عاملين زي الحلقة
يا مسهل يا مسهل يا مسهل ، هذا نداء بياع الفحم ، كنا نعرفه من شكله ، ثوبه أسود من الفحم ، وتلاقي شماغه صار أسود واختفى الحَمَار منه ، فكان يصيح بأعلى صوته .. يامسهل
هناك كمان مركِّبِين الأسنان وكانوا من الفلسطينيين ، بيدورو في الشوارع ومعاهم شنطة فيها العُدَّة ، زرَّادِيَّة وكلبة وأسنان تركيبة وكانت حديد ، الله على شكلها ( أنياب ) ، فكان يمشي في الحواري ساكت طبعا شايف نفسه دكتور ، ما له نداء خاص فيه ، لكن الناس تعرفه ، فبمجرد تناديه يروح حاطط الشنطة ومنزِّل العدة ويبدأ بتركيب الأسنان للزبون ، وكان السن بخمسة ريالات ( يابلاش )
أما حدَّاد السكاكين ، فكان يحمل على ظهره آلة الحدادة ، وكانت زي جنط كَفَر البسكليتة ، ويجلس يدوِّرها برجوله والسكينه على طرفها إلين تصير حادة ، وكل سكينة يحدها بقرش
أما المطهِّرين أو اللي يختنوا الأولاد ، فكان هناك ناس معروفة وأكثرهم تكارنة ، ومهنتهم الحلاقة ومنها الختان ، وكان التعقيم اللي يستعمله الخاتن هو القاز ، ولا أحد كان يستنكر ذلك
مرة كنا في قوز تراب نلعب وكان الوقت صبحية ، وكان الكلام هادا في عهد الملك سعود وقبل ظهور التلفزيون ، ووقتها ما كان في الإذاعة إلا طلال مداح وعبدالله محمد وغازي علي وطارق عبدالحكيم ، وأثناء ما كنا نلعب إلا ونسمع " وردك يا زارع الورد " لطلال ، وهات يا جرِي على بيت أبو عمر ، وبدون دستور رفسنا الباب الخشب وانفك ، وبسرعة شغَّلنا الراديو الخشب الكبير أبو لمبات ، وطبعا كان الراديو ما يظهر صوته إلا لما تسخن اللمبات حقته ، فجلسنا نخبِّط فيه مستعجلين قبل تنتهي الأغنية ، فاشتغل الراديو وبدينا نسمع إلين خلصت الأغنية وقفلنا الراديو
هذي صورة مختصرة .. صورة ضبابية قدام عيني ، حبيت أسجلها قبل أوصل السن اللي عنده ما نقدر نتذكر شئ ، وشكري الكثير لأستاذي وقاموس القديم والمرجع الإعلامي السيد / أبو عمر اللي ذكرني اليوم بها أثناء زيارتي له في منزله ، فسردها لي كاملة وترك التعبير بأسلوبي وتعبيري الركيك ، فتقبلوه وسامحوني على كل كلمة فيها هفوة أو زلة أو غير مهزبة
أخوكم / أبو سلطان
منقول (باللهجة الجداوية الجميلة)
مواضيع عشوائيه ممكن تكون تعجبك اخترناها لك:
المفضلات