+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: مدغشقر جزيرة حمراء نسيها التاريخ

  1. #1
    عضو مسجل
    تاريخ التسجيل
    Dec 2014
    المشاركات
    1,962,485

    مدغشقر جزيرة حمراء نسيها التاريخ



    قال لي موظف الحجز في شركة الطيران والاعتذار باد في لغته: لا توجد مقاعد على الطائرة المتوجهة مباشرة إلى موريشيوس. ولكن يمكنك الحصول على مقعد على متن طائرة نيروبي المتجهة إلى مدغشقر ومن هناك إلى موريشيوس، واستطرد قائلا، لكن سيدي للأسف عليك المكوث في مدغشقر قرابة الأربع عشرة ساعة قبل أن تواصل الرحلة. وعلى الرغم من الامتعاض الذي تظاهرت به أمام موظف الطيران، لكنني كنت مسرورا لهذه الفرصة النادرة للتعرف بإيجاز على هذه الجزيرة العملاقة. مدغشقر معروفة لدى الرحالة منذ زمن بعيد. ولطالما اشتهرت بسلسلة شواطئها الرملية التي تغلف الجزيرة الخضراء كخاتم ذهبي. يقصدها الناس الذين يحبون الحياة البرية النادرة والمفعمون بحب المغامرات، والعشاق الذين يفضلون الابتعاد قليلا عن ضجيج المدن. كما تعد مدغشقر قبلة لعلماء الحيوان الذين يقومون بإجراء دراسات على الحيوانات النادرة التي تعيش في غاباتها مثل الليميور الشهير، والذي لا بد أن شاهده الجميع في فيلم الكرتون «مدغشقر» الذي لاقى نجاحا كبيرا، لدرجة أنه يقال إنه ساهم في زيادة حركة السياحة هناك. عادة ما يتردد المسافر في الذهاب إلى مدغشقر بسبب تكرار التحذيرات من المشاكل الأمنية في البلاد وغياب الأمن، كما هو الحال في جوهانسبيرغ ولاغوس ـ وبالتأكيد كان ذلك سبب اعتذار موظف الطيران من أنني سأضطر للنزول هناك ـ ولكن ولخبرتي بمدينتي جوهانسبيرغ ولاغوس كنت على شبه يقين بأن ما ينشر عبر وسائل الإعلام ليس بالضرورة مطابقا للواقع. هاتفت أصدقائي في موريشيوس لأخبرهم بأنني سأتأخر وشرحت لهم السبب، فسارعوا بإخباري أن أحدا من أقاربهم يعيش بالقرب من العاصمة وسيكون بانتظاري، ما أن أخبرتهم بموعد الوصول.
    كانت الرحلة من القاهرة إلى نيروبي خالية من المفاجآت. ولم يمض وقت طويل حتى أعلن قائد الطائرة بأننا نحلق الآن فوق العاصمة انتاناريفو أو كما تعرف هناك بـ «تانا» . مرت دقائق معدودة حتى كنت أشق طريقي بين المسافرين بسرعة، فليس لدي الكثير من الوقت لأضيعه عند السوق الحر أو في عناق الأحبة المشتاقين.
    ما أن خرجت من البوابة الرئيسة حتى انهال علي سيل من الرجال كل يريد أن ينقلني إلى المدينة عارضا علي مكانا جميلا ورخيصا للمبيت، لكنني لم آبه بسحابة الرجال تلك، وانشغلت عيناي بالتسلل بين الجموع للتعرف على الشخص الذي ينتظرني، وها هو يقف بعيدا وحيدا. كانت الشمس الأفريقية ساطعة بقوة على السهول الخضراء والجبال المحيطة بالمنطقة تجعل الارتياح والارتخاء يتسللان إلى الجسد على الرحب والسعة. انطلقت ومن كان بانتظاري في سيارة دفع رباعي نحو المدينة، أحاول أن التقط أكبر عدد ممكن من الصور التذكارية بعيني لأخزنها في ذاكرتي، فليس أمامي متسع من الوقت لأستلقي وأرتاح من عناء الرحلة. مطار تانا لا يبعد كثيرا عن العاصمة، التي تحمل نفس الاسم. لا يمكن تجاهل مظاهر الفقر والحرمان التي يعيشها سكان البلاد على جانبي الطريق. منازل من صفائح الحديد والخشب، بعضها قد انهار جزئيا والآخر على وشك. أطفال حفاة الأقدام يركضون في كل اتجاه. رجال مسنون يتجاذبون أطراف الحديث مستظلين بالأشجار أو بالقرب من المحال التجارية. نساء يحملن فوق رؤوسهن أكياسا ضخمة على الأرجح أنها ملابس لغسلها أو بعض الأمتعة لبيعها. الدراجات النارية هي أكثر وسائل النقل انتشارا بين السكان، كغيرها من مدن أفريقيا ولكن وعلى الرغم من ملامح الفقر فلا تغيب بعض مظاهر الغنى الفاحش لدى القلة القليلة.
    كلما توغلنا في عمق المدينة كانت تانا تكشف أسرارها واحدا تلو الآخر. المنازل المطلية باللون الأبيض مكتسية بالقرميد، متلاصقة كعلبة الدومينو اليابانية. لم يترك فراغ في المدينة إلا واستغل لبناء منزل أو متجر وإن كان خاليا من الحجارة والاسمنت، عادة ما يكون قد تحول لسوق تجاري صغير أو ملعب لكرة القدم. هنا أيضا أتى الفرنسيون، ومكثوا طويلا قبل أن يعودوا إلى بلادهم. لكن قبل ذلك، وكما هو الحال في باقي مستعمراتهم، تركوا بعض الإرث المعماري ليتذكر سكان البلاد وزوارها من هم الأسياد. حركة المرور في تانا أبطأ إيقاعا من جوهانسبيرغ ولاغوس لكنها مزعجة بنفس القدر. قيل لي إن الاختناقات المرورية وسط المدينة تدوم لساعات، لكن لحسن حظي لم أعلق فيها.
    مررنا بمقبرة كبيرة عند الضاحية الشرقية، فقيل لي إنه ليس من اللائق الإشارة إلى المقبرة بالأصابع، لأن ذلك يُعبر عن عدم احترام ويزعج الموتى. تبين لي أن أهل مدغشقر يتعاملون مع الموت بطريقة مختلفة عن باقي أنحاء القارة السمراء. بالنسبة لهم الأموات هم وسيلة للاتصال بين البشرية وخالقها، حتى أن الموتى يعتبرون آلهة لدى البعض منهم، وعادة ما ينفقون أموالا طائلة لبناء قبورهم تكون أضعاف تلك التي ينفقونها لبناء منازلهم.
    اقتربنا من سوق شعبي مكتظ تباع فيه أعمال خشبية جميلة وملابس قطنية تحمل طابعا يمزج بين الذوق الأفريقي وسكان الجزر. ترجلت من السيارة للتجول بين الباعة، لأجد تذكارا جميلا أو هدية لأصدقائي في موريشيوس. لم أجد صعوبة في العثور على تحف خشبية جميلة تباع بثمن بخس. حتى أنني وجدت أحجارا كريمة بأسعار زهيدة مقارنة بكلفتها في دول أخرى. قال لي بائع الأحجار بلغة فرنسية ركيكة إنه يحصل عليها من عمال المناجم الذين يبيعونها بثمن زهيد خاصة إن لم تكن صالحة لإعادة التصنيع.
    واصلنا الطريق باتجاه سوق «زوما» والترجمة الحرفية له تعني الجمعة. يعد هذا السوق أضخم سوق شعبي في البلاد حيث يتوافد إليه آلاف الباعة من القرى المحيطة لتانا لبيع الفضة والجواهر والأعمال الخشبية والسجاد والحيوانات المحنطة والملابس الجلدية والأدوية الشعبية النادرة وغيرها الكثير. إنه مهرجان للبيع والشراء كل منشغل بما يبيعه ويشتريه، تمنيت أن أمضي النهار كله هناك، لكن عليَّ المضي قدما.
    الآن حان الوقت لزيارة حديقة الحيوان. علمت أنني سأقضي ربما باقي الوقت المتبقي لي في تانا أتجول بين أقفاص الحيوانات. فسارعت لأكل بعض السندويشات من احد المطاعم عند سوق الخضار الموازي لمحطة الحافلة ولم استطع مقاومة إغراء الفواكه الاستوائية المصففة بعناية فتناولت بعضا منها على عجل.
    دخلنا الحديقة عند الساعة الثالثة ظهرا فقال لي الحارس إن أمامي فقط ساعتين قبل أن تغلق الحديقة أبوابها. يوجد عند البوابة عدد من الإعلانات التحذيرية بالإضافة إلى مختصر عن الحيوانات الموجودة. لفتت انتباهي معلومة تفيد بأنه حسب الإحصاءات الرسمية فإن أكثر من 80 بالمائة من الحيوانات التي تعيش في مدغشقر غير موجودة في أي دولة في العالم، مما يضعها على رأس سلم دول العالم من ناحية التنوع البيولوجي. أبرز الحيوانات بالطبع هي فصيلة الليميور بأنواعها. بعض هذه الحيوانات يصعب العثور عليها في الطبيعة للغاية، إما لصغر حجمها أو لخجلها من الناس وابتعادها عن الأعين وسط الغابات الكثيفة، لذا شكلت زيارة الحديقة فرصة ذهبية للتعرف على طيف الحيوانات النادرة.
    وما أن خطوت أولى خطواتي داخل الحديقة حتى حيانا الليميور بصيحاته الترحيبية أو التحذيرية وهو ينظر بأعين فضولية قبل أن يدير ظهره ويمضي في شأنه فوق الأشجار. يوجد في الحديقة مئات الأصناف من الحيوانات الزاحفة والطائرة ذات الألوان الزاهية والثدية.
    مضت الساعتان بسرعة وحان الوقت للانتقال. هذه المرة كانت الوجهة خارج تانا، إلى ما يعرف هناك «بالتلة الزرقاء» لمشاهدة واحدة من أهم المدن الأثرية. تبعد التلة الزرقاء قرابة العشرين كيلومترا عن تانا، لكن الطريق إليها ليس معبدا جيدا، وتطلب الوصول إليها نحو الساعة.
    في الطريق عرفت لماذا توصف مدغشقر بالجزيرة الحمراء. فكل ما حولك لونه أحمر من التربة إلى أسطح المنازل، حتى أنه خيل لي أن أغلبية السكان يرتدون ملابس باللون الأحمر أو أنها اختلطت بالتراب الأحمر. ما أن انتهينا من تانا حتى بدأت السهول الشاسعة تفتح أحضانها لنا. الهواء الطلق ممزوج بروائح زكية من النباتات والأزهار المنتشرة في الأفق. كانت التلة الخضراء حتى نهاية القرن التاسع عشر محظورة على الأجانب ولا يسمح لهم بدخولها إلا أنه مع قدوم الفرنسيين تغيرت الحال. العبور إلى البلدة كان عبر بوابة ضخمة شيدها الملك اندريانا مبورينيميا الذي وحد البلاد قبل نحو ثلثمائة عام من خلال حملة عسكرية انطلقت من هذه البلدة بالتحديد. آثار المدينة ما زالت قائمة ويمكن زيارة القصر الملكي والساحة العامة التي عادة ما تستخدم لإحياء الحفلات الموسيقية.
    عدنا قبل غروب الشمس قافلين نحو تانا بعد يوم حافل بالصور التذكارية الحية التي التقطتها للسكان وللمدينة بأحيائها الفقيرة والغنية والحيوانات البرية الوديعة ومع هبوط قرص الشمس خلف الأفق البعيد تكون رحلتي القصيرة فد انتهت وحان وقت العودة للحاق بالطائرة. قال لي من كان بصحبتي إن عليّ القدوم مرة أخرى للذهاب في جولة طويلة إلى غابات البلاد وأنهرها ـ وهو عادة ما يأتي السياح لفعله. لا أعلم إن كنت سأفعل ذلك أم لا، لكنني في تلك اللحظة تمنيت أن تدور بي الأيام لأعود وأكمل ما قد بدأت. أما موظف الطيران فأقول له شكرا ولا داعي للاعتذار.

    *** منقول من جريدة الشرق الأوسط للفائدة ***

    مواضيع عشوائيه ممكن تكون تعجبك اخترناها لك:

    فنادق عطلات



  2. #2
    عضو مسجل
    تاريخ التسجيل
    Dec 2014
    المشاركات
    1,962,485

    ماشاء الله عليك ابو عبدالعزيز كفيت ووفيت معلوومات قيمه عن هذة البلده

    فنادق عطلات


  3. #3
    عضو مسجل
    تاريخ التسجيل
    Dec 2014
    المشاركات
    1,962,485

    انا ودي اجوب افريقيا كلها

    احسها بلد غريب وغير

    اريد ان ازور تنزانيا وكينيا

    وصحيح ما ذكرت اخي الكريم

    افريقيا عموما تصلح لمحبي الحيااه البريه والصيد والحيوانات

    فنادق عطلات


+ الرد على الموضوع

المواضيع المتشابهه

  1. لمن يعرف عن جزيرة مدغشقر
    بواسطة Robot في المنتدى الرحاله العرب
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 01-30-2015, 02:14 PM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
X