الحلقة السابعة
( الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور ) بهذا الدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم بدأنا يومنا .. فاستيقظت كحي بين كومة أموات .. استيقظت على أذان الفجر ( الغائب ) ... فأنت لا تسمع صوتا للأذان في هذه الديار .. توضأت ثم أيقظت صاحبنا التمساح ثم أذنت لصلاة الفجر في هجعة الليل .. وفي غفوة العيون .. وأنأ أرجو أن يشهد لي كل ما سمع أذاني من حي و ميت في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون .. إلا من أتى الله بقلب سليم .
صلينا الفجر في أحسن حال .. وكان مما ساعدني لمعرفة أوقات الصلاة هو وجود برنامج المنظم لأوقات الصلاة على الجوال فكا ن خير معين على الخير .
ثم عاد صاحبنا التمساح إلى سباته العميق أما أنا فقد عملت القهوة العربية التي قيل فيها
أعن له عنة هل الكيف للهيل ********* ما ذاق راعي الكيف ذقته هنيا
وجلست بالبلكونة أرقب شروق الشمس .. على أرض غطاها الندى فكانت كحبيبات عرق على جبين طاهر..
وجلست أشتم عبق الصبح العذب ...
رأيت الشمس تنظر من نقاب ******* وغصن البان يرفل في وشاح
فلو أسطيع طرت إليك شوقا ******* وكيف يطير مقصوص الجناح
فلما صارت الساعة السابعة والنصف أيقضت صاحبنا التمساح الغالي وشغلت السيارة لمدة 15 دقيقة لبرودة الجو صباحا ..ثم انطلقنا إلى منطقة الجويخات ووجدنا النساء هناك وقد أضرمن النار في التنور ويقمن بالخبز فيه طلبا للرزق .. فتوقفنا عند تلك السيدة الطيبة الأخلاق وطلبنا منها فطائر الجبن العكاوي والمناقيش بالزعتر والمحمرة بزيت الزيتون مع براد شاهي .. يذكرني ببراد العزوبية الأسود اللون .. والذي لا يحتاج عادة إلى غسيل إلا إذا جاء ضيوف !!!
ولكن الحق يقال فوالله أنه هذا الإفطار عندي أفضل من إفطار في فندق خمس نجوم :x1::x1::x1:
ثم حاسبناها وشكرناها وانطلقنا بعدها قافلين باتجاه المشتى حتى وصلنا محطة البنزين أو كما يسمونها ( كازية ) نسبة إلى الكاز الذي يحتاجونه بكثرة في الشتاء للتدفئة .. ثم انعطفنا يمينا بغد الكازية باتجاه مصياف والدريكيش .. ومما يلاحظ على الأرض جمالها الأخاذ واتصال غاباتها واعتدال جوها .. وقد لاحظت من مكان لآخر وجود مباني صغيرة ذات قبب .. وعادة تكون على رؤوس الجبال ل أو في وسط السهل .. التي تبينت لاحقا أنها مزارات وأديرة والله المستعان
ونحن في الطريق بين الفينة والأخرى ترى حراثة صغيرة ( جرارة ) تجر خلفها مقطورة محملة بالتفاح .. والطرق مهترئة وقديمة
حتى وصلنا إلى مفترق طرق يؤدي اليسار منه إلى الدريكيش ... ومما يلفت النظر في الدريكيش ويخلب الألباب الجبال السهلة المكسوة بالأشجار الخضراء الني تحيل الدنيا إلى جنة وارفة وتكثر فيه الينابيع والعيون ..
ونحن فيه ما بين صعود وهبوط حتى وصلنا قرية اسمها عين شمس وفيها مسلمون ونصارى فترى المساجد وترى الكنائس و أهلها متعايشون بسلام كل على دينه .. ومما يميز جبالها هو لونها الأبيض حتى كأنها عظام بالية .. وهذا من تعاقب الحدثان كما يقولون
ثم صعدنا إلى أعلى جبل عين شمس وتنفسنا فيه الصعداء وأوقفتا سيارتنا و تمشينا فيه قليلا ..وترى رعاة الأغنام في كل مكان .. وإنك لتسمع صوت الجرس من مسافة بعيدة .. وكان الجو معتدلا واالسماء صافية
ثم نزلنا من الجبل قرابة الساعة العاشرة ونصف صباحا فوجدنا مسجدا قد شغلوا فيه القرآن الكريم بقراءة عبد الباسط عبد الصمد رحمه الله .. عرفنا بعد السؤال أنها مراسم عزاء عندهم وهذه بدعة منكرة لم ينزل بها الله من سلطان ..
وبالمناسبة فالقارئ عبدالباسط عبدالصمد له مكانة خاصة عند أهل الشام ... خصوصا وأنه قرأ في الجامع الأموي بدمشق عام 1958 م وله قراءات رائعة ... وقد عرضت قناة المجد قراءات نادرة لمشاهير القراء كان من ضمنهم قراءة قديمة للشيخ عبدالباسط عبدالصمد في الجامع الأموي فكانت من أروع ما سمعت ....فغفر الله له وأسكنه فسيح جناته ...
ثم نزلنا حتى جلسنا في مكان هو الخيال بكل ما تعنيه الكلمة فمن أشجار الزيتون إلى أشجار السرو التي لا ترى التراب من خلالها ... إلى شجر البلوط الضخم ..إلى الهواء العليل المنعش ..
فوضعنا رحالنا و شربنا الشاي وتبادلنا أطراف الحديث حتى الساعة الثانية عشر.. وكان معظم حديثنا يدور حول دور المسلمين في محاربة البدع والمظاهر الشركية ... خصوصا أن أغلب السياح لهذه الديار هم من اهل الخليج .. وبأنه ليس لنا أي جهود على الواقع .. ولو على سبيل الإعذار إلى الله تعالى !!!!!
ثم قفلنا راجعين حتى وصلنا عين حلاقيم فأخذنا دجاجة كما يسمونها فروجة ولكن مثل البطة فوزنها 2.65 كيلو والكيلو ب100 ليرة وكان الجزار نصرانيا وقد سمعته عند الذبح يقول بسم الله .. و ذبائح أهل الكتاب يجوز للمسلم أكلها دون غيرهم ... وقد كان سلخه لها غريب عجيب فترك الرأس معها ولكن بعد أن سلخه !!! ولأول مرة في حياتي أرى رأس الدجاجة مسلوخا !!! بس لا تدققون في اليدين الحلوين ... :wink::wink::wink: فهما يدا حبيبنا التمساح..
وبالمناسبة أنا هنا أقر بصعوبة التحدي التي ستواجهه زوجة تمساحنا الغالي مستقبلا ... فهو صاحب ذوق راقي في الطبخ ..وبالتالي لن تنفع معه أنصاف الحلول ... ولا التهدئة المشروطة !!!!!
ثم عدنا قافلين إلى شقتنا وصلينا الظهر ثم نمت قيلولة سريعة لمدة نصف ساعة تقريبا كانت كفيلة بعودتي للنشاط السياسي في قيادة زمام الأمور بيني وبين تمساحنا العزيز !!! والله و لا كوفي عنان في عزه ..!!!
ثم شمرنا عن ساعدي الجد وبدأنا في مرحلة التنفيذ لمشروعنا النووي الخطير .. وبمنتهى ا لسرية ودون إثارة للرأي العام الدولي .. فقطعنا الطماطم إلى قطع صغيرة حتى تنصهر داخل المفاعل النووي
ثم قطعنا البصل بطريقة هندسية بارعة باستخدام قانون ليفنهوك وقانون فيثاغورس وقانون التوتر السطحي وغيرها من القوانين !!!! وذلك دون الاستعانة بأي عقول أجنبية .. بل كلها خبرات محلية بسواعد سعودية !!! ويا بلادي واصلي ... واحنا معاك واصلي
ثم طبخنا كبسة أتعبنا بها من بعدنا ... وتذكرت قول الشاعر
وإني وإن كنت الأخير زمانه ******* لآت بما لم تأت به الأوائل !!!!!!!!!!!!!
.. حتى إذا طاب منها الجنى واخضر منها العود !!! آثرنا الصلاة قبل الغداء فكانت صلاة المودع
ثم تناولنا كبستنا في البلكونة في منظر درامي مؤثر .. حيث كان فيها البطل مثالا للتضحيات !!!! فحمدنا الله على نعمه التي لا تحصى ثم عملنا شاهي كيني لو ذاقه صاحب الهم لكان أدعى للسلوان ... فشربنا منه كأسا بألف كأس ...ولو علم به الرحالة جون فيلبي ... لأفرد له عقدا من عمره ليبحث فيه وينقله للأجيال القادمة !!!! وبالمناسبة فالشاهي الكيني الذي أزعجتكم بالتغزل به هو اصلا مستورد من كينيا وستجدونه عند محل اسمه دويل في التخصصي مقابل مجمع المطاعم ,,, وطريقة عمله أن يغلى السكر والماء غليا طيبا مباركا فيه ,,, حتى إذا فاح يوضع الشاهي حسب المزاج ثم يبعد عن النار و يترك حتى يخدر ,,, ثم بعد أربع دقائق تصبه في كوب وبعدها عيش حياتك وطموحاتك !!!! وستجد أن كل ما قلته صحيحا وستجد أن حالك ستصير مثل الشاعر الذي قال :
وكأس شربت على لذة ********* وأخرى تداويت منها بها
مع فارق التشبيه !!!!!!!
ثم نزلنا إلى البساتين .. فقابلنا نساء القرية يمشون زرافات ووحدانا .. وقد لبسوا السواد وعلقوا الصلبان .. وكأنهم غربان البين ونذر الشؤم .. فعجائزهم رؤوسهم بيضاء كالثغامة ومكشوفة .. فترى الشعر يتطاير حتى لكأنها عفريت ثار من رماد .. والنساء الأقل سنا تجدهم غير مرتبات .. ومما يلاحظ على هذه القرى النصرانية أن الوضع الإقتصادي ممتاز فهناك الفلل الفاخرة والعمائر الفخمة والمرافق السياحية المتميزة .. على غرار القرى التي تسبقها والتي يكون غالب سكانها من المسلمين.. والذي اتضح لي أن أغلب سكان القرى النصرانية يمتلكون مزارع للتفاح ويباع في المواسم فيحقق أرباحا طائلة ...وقد لاحظت أن هذا المحصول يصدر للخارج ,,,بينما الذي يصل عندنا لا يذكر مع جودة الذي رأيت !!!!!
وقد رأيت أناس من البدو قاطنون في خيام مع نسائهم وأبنائهم وهم فقراء بسطاء يأتون في مثل هذا الوقت للعمل في حقول التفاح على أن يأخذوا أجرا نقديا أو يأخذوا جزءا من محصول التفاح ...
وقد اتضح لي بأن السبب في كثرة الكلاب في هذه المنطقة والتي يسمونها ضواري ومفردها ضاري هو لحماية مزارع التفاح .. وأيضا من الأسباب في كون أهل هذه القرى النصرانية وضعهم الإقتصادي ممتاز هو أن أغلبهم مغتربون في أوروبا وقليل منهم في دول الخليج باستثناء الأمارات ... فكانت الأموال المهاجرة هي من بنت هذه البنية التحتية الني استثمرت سياحيا فكانت مشاريعا قابضة ...
وقد تمشينا بين هذه البساتين في نبع اللتون ثم وجدنا مقبرة لهم وهم يبنون على كل قبر غرفة تحمل اسم صاحبها مع باب من الخلف ,,, وحسب إمكانية أهل الميت يكون القبر ... فهناك أناس قبورهم من رخام ,,, و أناس من بلاط وهكذا ,,,,, وقد لفت نظرنا أحد القبور وكان على شكل غرفة وبباب من الخلف فتعجب صاحبنا التمساح من وجود القفل على الباب ... فقلت حتى يظمنوا ألا يخرج عليهم ثانية ..!!!!
وقد وجدنا صبية يلعبون في ملعب مجهز هو نتاج عمل خيري منظم من مجموعة من المتبرعين ..وهذا ما ينقص عملنا الإسلامي والله المستعان
و بجانبه ملعب كبير و مدرجات عملت من الحجارة .. قال لنا الصبية بأنه كلف أربعة ملايين ليرة ,,,
وقد وجدنا في الطريق ملهى اسمه عين اللتون وهو على نبع اللتون ,,,
ورأيناهم يتجهزون بالورود والموسيقى لحدث ما والذي تبين لاحقا أنه زفة عرس أو شيء من هذا القبيل ,,, فصوت الموسيقى قد ملأ أركان الوادي .
ثم عدنا إلى شقتنا وصلينا المغرب وشربنا الشاهي حتى صلاة العشاء
ولي هنا وقفة تأمل :
إلى متى نشرب فيك يا كوب الجبن !!!!!
ثم جلسنا في البلكونة في نقاش هادف ,,, حول حياة الإنسان بلا هدف ... وكيف أن هؤلاء القوم يعيشون ليعملون ثم ينامون ثم يعملون ثم ينامون وهكذا دواليك ,,, وإذا اجتمعت عليهم منغصات الحياة وأرادوا المهرب ,,, فليس هناك ( أرحنا بها يا بلال ) بل يسارعون للخمر لينسوا ما هم فيه من البؤس والشقاء .. قال تعالى ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ) فلا فرق بين المسلم وغير المسلم في مكابدة متطلبات الحياة ولكن المسلم له سلوان عند المصائب وهو يرجو بذلك ما عند الله .. على عكس غير المسلم ,,, وقد قال الله تعالى واصفا هذه الحالة ( إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون ) هذا هو الفرق الكبير بيننا وبينهم ... وليس مشتاق بأمل كمشتاق بلا أمل ... وهذا هو عنوان الفلاح في الدنيا والآخرة
وقد تذكرت مقولة جميلة " من وجد الله فماذا فقد ,,, ومن فقد الله فماذا وجد "
فمن كان مع الله في حياته كانت حياته سعيدة
أيوحشني الزمان وأنت أنسي *******ويظلم لي النهار وأنت شمسي
وقد تذكرت بنياتي فهاجت نفسي وأحس بأن المكان قد ضاق علي وأحسست ببالغ الشوق لرؤيتهم وسماع أسئلتهم السخيفة وللعبهم العنيف الذي يحبونه ,,, واشتقت إلى شرب القهوة معهم بعد صلاة المغرب مباشرة في جلسة عائلية مميزة ... فقد دأبت على تخصيص الوقت بين المغرب والعشاء للجلوس معهم وتناول القهوة والسماع لهم ومحادثتهم ... مع الحرص كل الحرص على ذلك حتى صرت أرجع من صلاة المغرب فأجدهم جلوس ينتظرون قدومي ,,, مع حداثة سنهم ,, فابنتي إيلاف عمرها أربع سنوات وأفياء سنتين ومع ذلك عرفوا معني الأستقرار في المنزل ....
ربنا هي لنا من أزواجنا و ذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما .... آمين
وأدرك شهرزاد الصباح ... فتوقفت عن أكل التفاح ... وسكتت عن الكلام المباح
المفضلات