قصر عيسى في المحرق عبق التاريخ الحاضر

**alifun** · 01-30-2015, 12:11 AM

واجهة بيت عيسى بن علي آل خليفة

المحرق - البحريــن :- يشعر الإنسان بارتياح كبير وهو يرتاد ساحات واسعة ويتوغل في مسافات شاسعة داخل المحرق، متذوقا وفاحصا ما يتلقاه من السمين والصحيح والأصيل. فهناك يتداخل التراث مع بعضه، فتراه منتشرا في عمارة البيوت القديمة وفخامة القصور الشامخة والسكيك الضيقة.
فزيارتك لمدينة المحرق ليست مجرد نزهة او سياحة، بل هي فرصة تحصل من خلالها على المعلومات الثقافية والعمرانية والحكمة والإكيل والمعرفة والفنون.. هكذا كانت زيارتي لهذه القديمة مع الاخوين وحيد الصراف وعبدالكريم شكر الله، والصديق الكريم حسين السماك (ابو يوسف) من البحرين الذي أمضى معنا أكثر من 30 ساعة بين جزر البحرين وقراها، انعكست آثارها بكل خير علينا.

الحقيقة أقولها إنني تمتعت كثيرا عندما تجولت في بيت الشيخ عيسى بن علي آل الخليفة، أتعرف على تفاصيله وأصغي إلى أبو يوسف السماك وهو يتحدث عن الكثير مما يذهل، وكنت أسجل كل ذلك في ذاكرتي، حتى إذا ما خرجت من هذا البيت كنت مثقلا بحصيلة من التراث الشعبي العمراني البحريني الذي يشبه التراث الكويتي، ولكن الفرق هنا اننا نشاهد بيتا قائما بكل ثقة وكاملا، على الرغم من أنه مضى على بنائه أكثر من 207 سنوات وفي بلدي نقرأ عن بيوتنا القديمة او نشاهدها في الرسومات والنماذج في التمثيليات، علما بأن التراث الشعبي، من اهم الوسائل للتعرف على ثقافة وتاريخ الشعوب، باعتباره احد الجوانب المعبرة عن الهوية الوطنية.
وهذا ما انتهت اليه مملكة البحرين ممثلة في وزارة اعلامها، التي عندما بدأت خطتها في ترميم الاماكن التاريخية، كانت تضع نصب عينها هدفا منشودا هو أنه باكتمال عملية الترميم ستكتمل الصورة الجلية لتاريخ هذا البلد العريق المتشح بماض حضاري خالد.
عبق الماضي
عندما طفنا في ارجاء بيت الشيخ عيسى بن علي آل خليفة استرجعنا الماضي المفعم بروح الاسرة الواحدة، واستعادت زيارتنا تقليدا راسخا في مفاهيمه وتوجهاته.
فبين حجرات البيت وفي فنائه ومن خلال واجهاته المختلفة، استنشقنا عبق الماضي العريق الذي كافح فيه الاجداد كفاحا مشرفا يعتبر مفخرة للاجيال من بعدهم، وملحمة تسطر الصبر والمثابرة والعمل الجاد لخدمة الوطن واسعاد ابنائه.
أقدم البيوت
حدثنا حسين السماك فقال: هذا البيت بناه الشيخ حسن الفاتح خلال فترة حكم والده الشيخ عبدالله بن احمد آل خليفة للبحرين. وقد شيد في عام 1800م وهو من اقدم البيوت في مدينة المحرق، وتوالى على سكنه ابناؤه واحفاده ثم سكنه الشيخ عيسى بن علي الحاكم السابع من اسرة آل خليفة وذلك من سنة 1869 الى ان انتقل الى جوار ربه في عام 1932، ان انتقل الى جوار ربه في عام 1932 حيث حكم البحرين 63 سنة واتخذه مقرا لحكمه. وتابع ابو يوسف السماك: البيت نقوشه من الجص المزخرف على الطراز البحريني، وتلاحظ ضخامة حجم الجدران التي يزيد سمكها على المتر، وهي مبنية من الحجارة البحرية والنورة وجذوع النخيل والخيدل والمنقور والبمبو، هذه المواد جعلت البيت في تكيف مستمر مع ظروف المناخ الصيفي والشتوي. ويتألف البيت من اربعة اجنحة.
ومدخل البيت يمتاز بجمال الزخرفة والاشكال الهندسية، اما الدهليز وهو الممر الذي يؤدي الى حوش جناح العائلة بداية من باب المدخل، فتشاهد في نهايته 'الجليب' الذي يستخدم ماؤه للغسل، ومن جهة الشمال حجرة كبيرة تسمى محليا 'العقود'، وغربها يعلوها 'البادكير' أي صفق الهواء، وهي حجرة تلتقي فيها تيارات الهواء من جميع الجهات وحين تنزل من خلال فتحات البادكير تشعر بنسمات الهواء التي تتصل بالقاعة التي استخدمت لجلوس الشيخ.
جناح الشيخ
وشاهدنا مع أبو يوسف الممر الطويل الذي يعبر من حوش العائلة إلى جناح الشيخ الذي يتوسط حوشا أصغر حجما وتطل عليه من جهة الشمال حجرة الشيخ التي كان يستخدمها في فصل الشتاء، وفي الإجمال فإن الجناح يتصف بجمال بابه والنقوش التي تحيط به، والرواشن (جمع روشنه) وهي فتحات تستخدم لوضع أواني الزينة الزجاجية. ويقابل حجرة الشيخ ليوان مفتوح محمول على قوسين، وفي البيت جناح للضيوف في وسطه 'جليب' ونوافذ تطل على الحوش، وحجراتها لسكن ضيوف الشيخ، وليوان استخدم كمجلس.. كل هذه الغرف وممراتها تتصف بجمال الوحدات الزخرفية الجصية التي تزين حاشية القوس.
الطابق العلوي
ثم صعدنا إلى الغرف العلوية البالغ عددها ستا، وهي تقوم على سطوح البيت المكشوفة، وتستخدم للنوم والجلوس في ليالي الصيف. وهذه الغرف تتصف بدقة النقوش، ويوجد سلم خشبي كان يصعد عليه الشيخ عيسى بن علي لملاحظة السفن، وكلما دخلت غرفة أو دهليزا تشاهد جمال النقوش الجصية والحواجز الخشبية التي تغطي واجهات النوافذ المطلة على الطرق الخارجية من البيت، وهي تتصف بالدقة في تنفيذ زخارفها الهندسية والنباتية.
هذا البيت أصبح تحفة قائمة وقيمة تراثية، ومعلما حضاريا وبعد أن شهد فترة من أزهى الفترات في تاريخ البحرين، اتجهت أنظار الدولة إليه متمثلة في وزارة الإعلام التي قامت بإحيائه، والآن تحول الى معلم سياحي يعيش، وعشت فيه مع إخواني ذكريات ونفحات تاريخ الأجداد والسلف.. إنها نفحات الأمس لأجيال قادمة، ونقول هذا لأن بيت الشيخ لا يختلف عن بيوت شيوخنا وأجدادنا، ولكن نحن في الكويت فقدنا مثل هذا البيت.

موقع القصر بين بيوت المحرق..

الشيخ عيسى بن علي

بهو البيت من الداخل

جمال البساطة وأناقتها