قال الشافعي رحمه الله :
تغرّب عن الأوطان في طلب العلا *** وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تفريج هم واكتساب معيشــة *** وعلم وآداب وصحبة ماجد
فإن قيل في الأسفار ذل وغربة *** وقطع فيافٍ وارتكاب الشدائد
فموت الفتى خير له من حياته *** بدار هوان بين واش وحاسـد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
ذات ليلة من ليالي أبها الجميلة . وتحديداً في إحدى القرى القريبة من أبها كان اللقاء في أصله وليمة عشاء أقامها أبو محمد لرفيق دربه وشريك مهنته وحبيب قلبه أبي عبدالله بعد قدومه من خارج المملكة .
وفي الحقيقة أني لا أدري إن كان ذلك ديناً في رقبته ؟!
أم أنه الكرم الحاتمي .
ولعل الأمران اجتمعا .
فاجأنا أحد الجالسين بأن هناك شبه إجماع على رحلة صيفية ننفض بها عنا غبار عام من العمل والعطاء رغم ما سيكون فيها من عناء السفر وتحمّل مشاقه التي لا تخفى على من جرّب ذلك ..
تركيا **
هي الدولة التي استقر الأمر ــ في بدايته ــ على زيارتها .
كدت أطير فرحاً بهذا الاقتراح .
كيف لا ؟ وأنا سأحظى بزيارة لديار بني عثمان الذين ورّثوا مجداً وتاريخاً قلّ نظيره ..
تركيا ... ذلك الجزء الذي جمع في موقع الجغرافي بين قارتين .
لا أخفيكم سراً أنني بقيت ليلتي تلك أعيش تخيلات وتفكيرات غريبة ...
هل صحيح أني سأزور اسطنبول لأرى جامع الفاتح ، ومتحف أيا صوفيا ، وأتسوق في السوق المسقوف ، وغيره من الأسواق القديمة والحديثة ، وأجلس في شارع الاستقلال ، وأقف على تل العرائس ، وأشاهد شاطئ البسفور ، وأبحر إلى جزيرة الأميرات ..
هل صحيح أن عيناي ستكتحلان برؤية شلالات بورصة ، وأن مياهها المعدنية ستلامس جسمي .
هل صحيح أني سأحظى ولو بجزء من نهار في طبيعة أوزنجول الساحرة .
هل وهل ؟؟؟ أسئلة كثيييرة
ومع من ؟
مع صحبة هم من خير الرجال الذين عرفتهم (
ولا أزكي على الله أحداً )
وهم من اليمن إلى اليسار
أبو يزيد ، أبو عبدالله ، أبو عبدالرحمن ، أبو محمد ، أبو محمد
أبو عبدالله ، وأخيراً محدثكم أبو حاتم
^^^^^^^^^^^^^^^^^^^
مرت الأيام ببطء وأنا في كل يوم أجمع ما استطعت إليه سبيلاً من معلومات عن وجهتنا ..
قابلت أبا محمد في مسجد الجامعة ... ودار بيننا حديث ملخصه أن هناك أفكاراً جديدة طرأت على موضوع السفر ..
اجتمعنا في منزلي واستقر الأمر على أن تكون الوجهة إلى شمال سوريا بدلاً من تركيا لأمور لا يتسع المقام لذكرها . ولكن
لعل من أهمها أن عدد الأعضاء قد زاد عن خمسة مما جعلنا نفقد الأمل في توفر إمكانية السفر جواً حيث أننا قد أعددنا العدة لخمسة مقاعد فقط وحجزنا على هذا الأساس ، وكذلك للحاجة الماسة لوجود سيارة كبيرة لتنقلاتنا داخل البلد المقصود ..
سار الوقت ونحن نحسب الأيام بل الساعات ، وجاء الموعد المحدد والتقينا بعد صلاة العشاء من يوم الاثنين الموافق 5/8/1430هـ في بهو منزل أبي محمد .
وبدأنا في عمل بعض الترتيبات اللازمة ، وتفحص اللاب توب الخاص بالقهوة والشاهي .. والذي كان له دوره طوال الرحلة
تأخر الوقت وزقزقت عصافير بطوننا جوعاً .
تم إجراء اتصالات سريعة بالأخ أحمـــــــد ( أبو محمد ) ..
السلام عليكم : تكفى يابو الشباب وينك الآن
وعليكم السلام : أنا قريب منكم ..
الله لا يهينك جيب معاك بروست من المكان الفلاني ..
هههه خلفتكم ونسيتكم
تكفى والله الشباب جيعانين
طيب طيب
لا تنس العصير
قاعدين تتشرطون بعد
أنت كريم وإحنا نستاهل
يلله يللله
لا تتأخر علينا
وصل العشا و تعشينا ...
وبصراحة زي ما قال المثل :
لقمة على فاقة خير من مية ناقة ..
بعد ذلك بدأنا في ترتيب عفشنا على السيارة .. وقد كان لأبي عبدالرحمن بصماته الواضحة في ذلك لأمرين :
الأول / خفة وزنه على السيارة ...
الثاني / خبرته التي اكتسبها في ترتيب عفش الحجاج .. أسأل الله أن يجزيه الجنة ..
وقبل المسير كان هذا الموقف فلا أدري هل هو الإيثار واحترام الكبير أم أن الدعوى فيها غصب تنزل يعني غصب تنزل
هاه جاهزين يا شباب ..
انطلقنا من أبها في تمام الساعة 2:36 صباحاً ..
توقفنا عند إحدى المحطات للتزود بالماء وأنواع العصيرات ... والفيري
موية وعصيرات عرفنا طريقها
بس الفيري أيش تبغونه
أكيد تغسلون صحون العشا
ما تعشينا في صحون
لا يا خبل .. الفيري نحطه على السيارة عشان البوية ما تتخدش من الغبار في الطريق ..
واصلنا مسيرنا بعد أن تم تعيين الأخ / أبو يزيد أميراً لنا في رحلتنا ( كفو والله )
وتم تعيين أبو خليل مسؤولاً عن المالية لأنه صاحب تجارة ويعرف كيف يتعامل مع المصاري ..
$$$$
ما تلاحظون يا شباب إنا رايحين نعبر المملكة من جنوبها إلى شمالها تقريباً 2800 كيلو
بصراحة مسافة هايلة .. وتحتاج إلى صبر ، وتحمّل
بس تصدقون إنها انقضت بكل يسر وسهولة وكأنها ملح في موية ..
لييييش
من غير ليش ..
وناسة الشباب وكلامهم الطيب ، وإشغال الطريق بالمسلي والمفيد جعلت الوقت والطريق ينقضيان دون ملل أو تعب ..
والشاهي كان له حضوره المميز معنا
قبل وادي الدواسر توقفنا لأداء صلاة الفجر .
وصلنا الوادي والنوم يغالبنا
فقررنا أن نبحث لنا عن سكن وننام حتى الظهر ... وهذا ما تم بالفعل ..
نمنا ثم استيقظنا وتوضأنا وصلينا الظهر والعصر ثم واصلنا المسير بخطوات تسابق كل واحدة منها الأخرى للوصول إلى غايتنا ومرادنا
توقفنا في الطريق وتزودنا بالزاد بنوعيه ، زاد البطون وزاد السيارة ..
ولكن يا ترى ما سر هذا العناق ؟
وصلنا الرياض الساعة الثامنة مساءً ، وعبينا بنزين قبل أذان العشاء بدقائق
ودون توقف سرنا باتجاه القصيم وفي أثناء الطريق بدأ أبو محمد بإجراء بعض المكالمات مع السفير الخليجي ــ أحد الأعضاء المتميزين في منتدى العرب المسافرون ــ وذلك لغرض سؤاله عن الطريق المناسب لإكمال مشوارنا لأن [ أهل مكة أدرى بشعابها ] .
الرجال نشمي ــ شرواكم ــ طيّب القلب ، عذب الروح ، وكريم النفس ..
قابلنا بأحسن استقبال
وحاول إكرامنا بشتى الوسائل إلا أن ضيق الوقت كان أكبر عائق في عدم البقاء ..
أهدانا هدية بقيت معنا في أكثر تنقلاتنا داخل وخارج المملكة ..
بالإضافة إلى ترمس قهوة وترمس شاهي ...
تعشينا وصلينا المغرب والعشاء ( جمع تأخير ) في القصيم ثم واصلنا السير إلى حائل .
وفي أثناء الطريق رأينا منظراً أتوقع أننا جميعاً لم نشاهده من قبل ...
منظر السماء مملووووووووووووووؤة بالنجوم
والغازات التي في الفضاء ظاهرة بوضوح وكانها غيوم مما جعلنا نتوقف لبعض الوقت .
أحيت فينا تلك الدقائق عبادة التفكر ... : فسبحان الله العظيم ..
وصلنا حائل الساعة 3 فجراً واستأجرنا شقة نرتاح فيها إلى الظهر ..
نمنا حتى الساعة 11 ص .
استيقظت أنا وأبو عبدالرحمن وجهزنا القهوة
ثم أيقظنا الشباب وتناولنا جميعاً القهوة وبعض التميرات من هدية السفير الخليجي .
أذّن للظهر .... وأدينا الصلاة جمعاً وقصراً ..
خرجنا من حائل بعد أن تغدينا
متجهين إلى الجوف ومنه إلى القريات ...
وفي الطريق توقفنا لمساعدة هذا .. لأن صنائع المعروف تقي مصارع السوء
قطعنا مسافات ليست بالقليلة
وقد كان منا من يمازح رفيقه
ومنا من يقرأ ... تدرون أيش يقرا ؟
قاعد أبو محمد ( صاحب البروست ) يقرا عن تربية الأبناء !!!
ومنا من أغمض عينيه ليغط في نوم عميق ..
ورأينا هؤلاء ... ماذا ينتظرون يا ترى ؟؟
آذنت شمس الأصيل بالغروب ونحن لا زلنا نسير ونسير
وصلنا بحمد الله إلى الحدود السعودية ـــ منفذ الحديثة ـــ وأخذنا تربتك بـ 300 ريال سعودي .
بعد ذلك أدينا الصلاة جمعاً وقصراً ..
ودخلنا الأردن بعد أن انتهينا من الجوازات في وقت قياسي ... ودفعنا تأمين 9 دنانير ونصف .
يتبع ..
المفضلات