صفحتي الثالثة
من (رحلة البشام في بلاد الشام)
\القاياتي\ (ص 137-138-139 )
-------------------------------------------
ان مدينة دمشق هذه طيبة التربة عذبة الماء كثيرة الأنهار ينصب فيها الماء من سبعة أبحر منها
(نهر بردى) و(نهر يزيد)وغيرهما فترى في الماء في دورها ليلا ونهارا منحدرا في القساطل الى البرك ذوات النوافر
تسمع لخريره دويا هائلا وصوتا عاليا لا يستطيع الغريب الذي لم يكن متعودا بمثله
ان ينام بتلك الدور مالم يغلق الأبواب والمنافذ وهيهات ان يجدي ذلك فيه نفعا او أو يبدي دفعا
وكل هذه المياه الموجودة في ضمن البيوت مسلطة على المرافق وبيوت الأخلية
وأما عماراتها فانها بالطين والأخشاب لا بالأحجار كباقي بلاد الشام الا قليلا منها
كالمساجد والمدارس القديمةومباني السلاطين والملوك والأمراء القدماء
وبعض البيوت جديدة في هذا العصر أنشئت على الطراز الجديد المعتاد الآن
مثل بيروت وغيرها من البلاد التي تقدمت في العمارفي هذا الزمان
الا أنها مع كونها في الظاهر مبنية بالطين والخشب مزينة الباطن بالرخام الملون بالنقوش الذهبية
فلقد رأينا دارا أصلها من عمارة الشيخ المرادي(مفتي الشام قديما)وانتقلت الى ملك أولاد القوتلي
في هذا العهد القريب وبها من حسن الصنعة وكمال البهجة مايبهر العقول ويدهش الخواطر
وتحار فيه الاعين والنواظر فصحن هذا الدار مفروش بالرخام وفي وسطه البركة الكبيرة
ممتلئة بمياه ذات انسجام ومن حولها الأشجار الناضرة والأزهار الزاهية الزاهرة
تتساقط على الأرض حمرا وصفرا كأنها الدنانير الحمر أو الدراري أو الدر
وفيها قاعة من أبدع القيعان وأرفع البنيان ويمكن أن يقال في هذا المكان
(ليس بالأمكان أبدع مما كان)
دخلنا اليها فوجدنا حوائطها مفصلة قطعة قطعة
فلوح من رخام أزرق ولوح من بللور مزوق من نوع المرآة جميل مرآه
وفي كل جانب من جوانبها ألواح من المرمر مكتوبة بالذهب الأحمر
عليها شعر يتضمن تاريخ البناء وجميل المدح والثناء
وبعد أن تناولنا القهوة والشربات ونحن بغاية الأنس والمسرات
دخلوا بنا الى أودة أخرى هي أجدر بالمدح وأحرى
أطلعونا على عجيبة من عجائب الدهر وحسنة من حسنات العصر
وهي كتاب من حضرة( سيد الأحباب ) أرسله لبعض مللوك الأعراب بخط أحد الأصحاب
وفي آخره ختمه عليه الصلاة والسلام *محمد رسول الله*
الا انه لتقادم العصور وتكرر الدهور لا تكاد تبين الخطوط تللك السطور
الا بأمعان النظر وتحديق البصر ولذلك كتبوا صورة مافيه بالخط العربي المبين المعهود
في هذا العهد حتى يكون مساعدا للقارئ على أستبانة حروفه وخطه القديم الكوفي
وبالجملة فهو أثر من أبدع الآثار التي تورث المجد والفخار
وبعد ان أدركت النفس في هذه الدار حظوظها الحسية والمعنوية وشهواتها الدينية والدنيوية
خرجنا من عندهم شاكرين والحمد لله رب العالمين
ومن جملة مناظر دمشق الشائقة ومنازهها البديعة الرائقة ذات النضارة والبهجة
مناظر الأشجار والأنهار في (المرجة) فما أنضر هذه البقعة وأحسنها في عين الرائي :
يخرج أليها أهل البلد بعد العصر قبيل الغروب ومنهم من يجلس على الجسر الممتد على نهر (بردى)
ومنهم من يجلس بجوار السليمانية ومنهم من يجلس في تللك الغرف العالية فيرى الأنهار الجارية
ومياه تللك الجداول تتطارد في السباق وتتوارد في الأتساع على السياق
كأنما هي في الغدران خيول شهباء في الميدان
وهانيك الرياض النضرة والغياض الخضرة
فيما بينها كبساط سندسي بسط على هذا البسيط الثني ورصع بجواهر الأزهار
وحلي بحلية البهاء والبهار
(ان في ذلك لعبرة لأولى الأبصار يفعل الله مايشاء ويختار وكل شيء عنده بمقدار )
المفضلات