75 - سراى الزعفران
فى قلب حي العباسية في القاهرة، يتلآلا فيها قصر يتميز بطرازه الأوروبي كتحفة معمارية رائعة وفريدة من نوعها، ورغم ان هذا القصر يرجع إنشاءه إلى عام 1870 وتحديدا في عصر الخديوي إسماعيل والذي أتم بناءه على أنقاض “قصر الحصوة” الذي بناه محمد علي مؤسس الدولة المصرية الحديثة، وفي المنطقة التي كانت تعرف باسم 'الحصوة' وكانت الى شمال معسكر الجيش أو القشلاق الذي أنشئ أيام محمد علي باشا في صحراء العباسية. هذا القصر هو قصر الزعفران
ويشير خبراء في آثار أسرة محمد علي إلى أن إسماعيل عهد إلى مهندس يدعى “مغربي بك سعد” بتصميم هذا القصر والإشراف على بنائه، وأنه اشترط عليه أن يبني القصر على غرار قصر فرساي في فرنسا الذي كان الخديوي قد قضى فيه فترة تعليمه. ويطل قصر الزعفران على حي العباسية من أربع واجهات معشقة بنوافذ وشرفات بعقود نصف دائرية، وزخارف جبسية على هيئة افروع نباتية وأكاليل من الزهور فى غاية الرقة، وقد تضمن القصر الكثير من فنون النحاس والذهب والزجاج الملون، فضلا عن أسقفه الملونة بألوان السماء.
وكان الخديوي إسماعيل قد طلب نقش الأحرف الأولى من اسمه، وشكل تاجه الخاص على بوابة القصر الحديدية ومداخل القاعات والغرف، لكنه في العام 1872 أهدى القصر منحه لوالدته المريضة خوشيار هانم عن طريق الهبة بموجب الأمر العالي الذي أصدره الى ناظر المالية لتقيم فيه خلال فترة الاستشفاء من مرض عضال أصابها، حيث نصحها الأطباء بالهواء النقي. ويقال إن إسماعيل أمر وقتها بزراعة حديقة غناء حول القصر كانت مزروعة بكاملها بنبات الزعفران ذي الرائحة الزكية ومن هنا جاءت تسمية القصر بهذا الاسم .
ولكن خوشيار هانم تركت قصر الزعفران بعد بضعة أشهر لتقيم في القصر الولده باشا الفخم الذي شيده ابنها اسماعيل على شاطئ النيل في منطقة جاردن سيتي، فأقامت فيه أسرة مصطفى فاضل باشا ( شقيق الخديو اسماعيل) بعد عودة أنجاله وزوجاته من اسطنبول في ربيع الأول سنة 1293هـ وتكلف تأثيث القصر حوالي خمسة عشر الف جنيها وقتها ولم يكن مصطفى فاضل باشا أخاً شقيقاً للخديو اسماعيل، فهو شقيق من جهة والدهما ابراهيم باشا، ولذا عمدت 'زوجة الأب' خوشيار هانم باعتبارها صاحبة سراي الزعفران الى التبرع به في جمادى الآخرة من نفس السنة لجهة الميري، ودخل القصر وملحقاته التي تشمل الحديقة ووابور المياه في سلك الميري لعمل المدارس الحربية به، ولكنها استثنت مفروشات القصر من هذه الهبة وأمرت بنقلها الى القصر الولده باشا بجاردن سيتي.
وبعد وفاة اسماعيل واحتلال مصر انهارت المدارس الحربية، فعادت خوشيار هانم في عهد حفيدها توفيق للإقامة في سراي الزعفران من أجل 'تجديد الهواء'، وما هي إلا أيام معدودات حتى طلبت الحكومة من الوالدة باشا تسليم القصر بكامل ما به من مفروشات لإقامة ضباط الجيش الانجليزي، فتركته مضطرة وسكنه ضباط الاحتلال وأخرجوا ما به من الأتباع والخدم.
وأرادت خوشيار هانم استرداد السراي في نفس العام 1882م من أجل تجديد الهواء ولكن طلبها قوبل بالرفض، وظلت القيادة البريطانية تحتل السراي خمس سنوات كاملة أحدث خلالها الضباط تلفيات كبيرة في المباني.
وأخيراً طلب الأمير حسين كامل باشا حفيد خوشيار من الجنرال إستفانسون قائد جيش الاحتلال أن يدفع ايجاراً شهرياً عن السراي يقدر بخمسين جنيهاً عن كل شهر مكث فيه ضباط الاحتلال خلال الفترة من 1882-1887م مع الاستمرار فى دفع الايجار شهرياً أو إخلاء السراي، لكن الجنرال طلب استشارة حكومة بلاده وبعدها ترك السراي في أواخر سبتمبر سنة 1887م.
في عهد الملك فؤاد الأول قررت الحكومة ترميم السراي ترميماً كاملاً وتأثيثه بأثاث فاخر حتى يصبح داراً رسمية للضيافة ينزل بها من يفد على مصر من الملوك والأمراء واستخدم بالفعل لهذا الغرض منذ عام .1930 وبعد ذلك بعامين صدر أمر الملك فؤاد بإنشاء مدرسة ثانوية في القصر عرفت بمدرسة فؤاد الأول. وحسبما تشير مجلة 'المصور' في 25 نوفمبر عام 1932 فإن مساحة المدرسة بحدائقها كانت تقدر بأكثر من أربعين فداناً. وحضر الملك فؤاد بنفسه افتتاح الدراسة بهذه المدرسة وأهدى الى السراي صورته وهي صورة زيتية كبيرة أعدها هنزلمان مصور الملك وتمثل الملك بملابسه الرسمية بالحجم الطبيعي.
وأخيراً تم نقل المدرسة الى مقر مدرسة الحسينية الابتدائية في اطار الاستعدادات لإنشاء الجامعة التي عرفت باسم جامعة فاروق، وأخذ قصر الزعفران زخرفه مرة أخرى استعداداً لاستقبال رئاسة الجامعة، وكان ذلك في عام ،1945
ويجمع قصر الزعفران من الداخل بين طرازين هما الطراز القوطي وطراز الباروك، وهما من أهم الطرز المعمارية التي كانت تستعمل في كثير من قصور القرن التاسع عشر. ويتقدم المدخل الرئيسي للقصر إحدى الواجهات، وهو يأخذ شكل البائكة بعقود نصف دائرية تعلوه شرفة كبيرة. ويمكن للزائر الصعود إلى المدخل إما مترجلا عن طريق السلالم الرخامية التي تتوسطه، أو داخل عربة، حيث توجد على جانبي المدخل ممرات منحدرة خصصت لصعود العربات عليها، وهي ممرات تعود بالزائر إلى أجواء القرن التاسع عشر، حيث موكب الخديوي بالعربات التي كانت تجرها الخيول، تصعد على الممرات بينما الأمراء أمام باب القصر في شرف الاستقبال.
ويتكون قصر الزعفران من ثلاثة طوابق رئيسية إلى جانب طابق تحت الأرض. ويقول خبراء آثار إن الطابق الأول كان مخصصا للاستقبال، حيث يضم القاعة الرئيسية إلى اليسار من باب الدخول، تمتد من الشمال الى الجنوب وبه عدة أعمدة وفصوص ذات تيجان حاملة للسقف ويتصدره من الجهة الجنوبية سلم بفرعين خلفه صالة صغيرة تفتح عليها فتحة الباب الجنوبية للقصر وعلى يمين ويسار البهو الرئيسي قاعة للاستقبال وقاعة للمائدة وهي تسع لنحو 49 شخصا ، وفي أقصى الركن الجنوبي الشرقي يوجد المصعد الكهربي وبعض الحجرات الصغيرة،
ويضم الطابق الثاني للقصر ثماني غرف للنوم، كل غرفة ملحق بها صالون للاستقبال وحمام تركي كبير مصنوع من الرخام ومزود بقطع من الزجاج الملون تجعله يبدو مضاء بإضاءة طبيعية طوال الوقت،
أما حوائط الحجرات فهي مزينة بأشكال الورد والزهور الملونة إضافة الى التذهب بالذهب الفرنسي.
ويصل ارتفاع الأبواب الخشبية للقصر إلى نحو أربعة أمتار، فيما يصل ارتفاع الأسقف إلى ستة أمتار، وهو ارتفاع يساعد بالقطع على تلطيف حرارة الجو خاصة في فصل الصيف، ما يشعر المقيم فيه دائما بتيار من الهواء المنعش، وتعد الأسقف الملونة أهم ما يميز حجرات الطابق الثاني، ويعد سقف قصر الزعفران تحفة فنية في حد ذاته، وهو عبارة عن زجاج بلوري معشق بالرصاص، تم طلاؤه بألوان زاهية تعكس على السلم ألوان السماء في مختلف حالاتها، ويقال إن معماري القصر نفذها على هذا النحو في غرف النوم، لأن الخديوي إسماعيل كان يحب أن ينظر إلى السماء وهو مستلق على ظهره قبل النوم
ويعد باب القصر المصنوع من الزجاج المعشق تحفة فنية رائعة الجمال، بألوانه وبما يضمه من أشكال لزهور وشجرة كبيرة ذات ثمار.
وينفرد القصر من الداخل بمجموعة من العناصر الزخرفية النادرة، فضلا عن معماره الذي لا يوجد له مثيل،
ويتجلى ذلك في سلم البهو الكبير المصنوع من النحاس والمغطى بطبقة مذهبة، وهو سلم ذو طرفين يرتفع بمستوى طابقي القصر. ويقول أثريون إنه يكاد يكون السلم الوحيد في مصر الذي يضم هذه الكمية من النحاس.
واليوم اصبح القصر مقرا لجامعة عين شمس. على أن قصر الزعفران لم يكن مجرد واحد من القصور الفاخرة التي بنتها أسرة محمد علي في مختلف أنحاء القاهرة في القرنين الماضيين، فقد شهد القصر العديد من الأحداث التاريخية الساخنة التي مرت على مصر خلال تلك الفترة، مثل دخول الإنجليز إلى البلاد، وتوقيع معاهدة عام 1936 الشهيرة، وما زالت المنضدة التي تم توقيع تلك المعاهدة عليها موجودة في مكانها بصالون القاعة الرئيسية وحولها طاقم من الكراسي المذهبة كما جرى توقيع الميثاق الخاص بإنشاء جامعة الدول العربية بقاعته الرئيسية فى 19/3/1945.
واذا كانت رائحة الزعفران قد اختفت من حوله فقد اصبح قصر الزعفران مجرد شاهد صامت على مايحدث حولة مكتفيا بأن يكون راويا لأحداث التاريخ للأجيال القادمة
اخوانى واخواتى اعتذر عن ان بعض الصور غير واضحة بسبب وجود اشخاص بها وقد كنت متردد بين عرضها او لا ولكنى اردت بعرضها ان انقل لكم تصور بشكل عام عن جمال القصر (لما يظهر منه فيها)نظرا لندرة الصور عنه لازال هناك المزيد من الروائع والكنوز فتابعونى خالص تحياتى
المفضلات