بسم الله الرحمن الرحيم











( La courbe) منطقة الكوربة














































































































































نحن الآن نقف في شارع الأهرام.




شارعان شهيران فقط بهذا الاسم في القاهرة أولهما الموجود في الجيزة ويعرف اختصارا باسم "الهرم" وسمي بذلك لأن الأهرامات الثلاثة تطل عليه كما أنه الطريق الرئيسي المؤدي إليها. أما شارعنا هذا فسمي بنفس الاسم لنفس السبب! أي نعم فعندما تم تأسيس مصر الجديدة كان يمكن للسائرين في هذا الشارع أن يروا الأهرامات التي تبعد مايقرب من 40 كيلو رأي العين ..






















شارع الأهرام لديك روائح زمان المعتقة أيضاً. مطعم وكافيتيريا الأمفتريون. "تراس هليوبوليس" الذي يواجهه وهو مطعم وكافيتريا أيضاً متوسطة الأسعار تجعلك تتأمل مصر الجديدة من ارتفاع طابقين. وإلى جوارهما "جروبي" العتيق الأصيل الفخيم. الذي لايزال زواره حتى يومنا هذا فيهم شيء من سلوك الباشاوات "الراقيين" وولاد البلد في نفس الوقت. هنا في الكوربة حيث محلات الملابس من أرخص الأسعار وحتى أكثرها اشتعالا. هنا الكوربة حيث "كنتاكي"، و"ماكدونالدز "، و"بيتزا هت" إلى جوار فول "غريب"، وكشري "هند" ومخبز الإخلاص للعيش البلدي "أبو شلن" وآيس كريم ماجيك اللذيذ بطعم السياسة المواجه للقصر الرئاسي، وعصير قصب "جنة الفواكه" الذي زاره الرئيس الليبي المخلوع "معمر القذافي" منذ سنوات وارتشف منه عدد 2 شوب عصير!!!








































































































عليك بالتريث قليلا، والتأمل كثيرا، وأنت تسير في الكوربة أصل مصر الجديدة وقلبها النابض،





















قف كثيرا لتشاهد روعة المكان وعبق الزمان، ثم سر في شوارع الكوربة كيفما شئت، واطلق العنان لخيالك فلن يخذلك. وستجد كيمياء وسمات خاصة تجذبك، شعور جميل وإحساس بالحرية يتملكك، رغبة في التجول بالمكان تسيطر عليك، مبان فخيمة وقصور منيفة تذهلك، سر فلن تجد فيها من عظمة البناء ما تشاهده في غيرها في أي مكان بمصر. ولن تجد وجها يشبهها. فمصر الجديدة تشبه نفسها فقط.






























أنت الآن في مدينة ( أون ) مدينة الشمس، مدينة هليوبوليس، مدينة صفوة الأناقة المتعددة. السحر والجمال. العظمة والثراء، أنت في الكوربة، قف في هذا المكان وأرجع البصر هل تري من قصور، ثم أرجع البصر مرتين وتساءل هل تغير الحال كثيرا عما مضى منذ مائة عام؟





سوف تأتيك الإجابة حينما تتجول في الكوربة، ثم تدلف إلي شوارعها، حيث التاريخ اسما ومعني، حيث هليوبوليس القديمة في شكلها الجديد، حيث سيزوستريس أحد الفراعنة في الأسرة الثامنة عشرة، و مينيس إحدي عواصمها، ورمسيس فرعونها الشهير، ثم كيلوباترا ملكتها، فسيتي، فالاسكندر الأكبر، فالمكان لا يزال يحتفظ بعبقه وتاريخه المديد ( مائة عام أو يزيد ) ولم تمتد إليه يد التنسيق الحضاري (الحالي ) فقد تكفلها البارون إدوار إمبان، وعهد إليها بأناس حافظوا علي العهد فأنشئت جمعية خاصة لتنمية مصر الجديدة في أوائل عام 1981برعاية السيدة سوزان مبارك حرم نائب الرئيس وقتها، ثم حظرت محافظة القاهرة عام ( 1991 ) تشييد عمارات مكان الفيلات، كما وضع تنظيم استثنائي عام 1997لحماية منطقة قلب مصر الجديدة.





- البارون إمبان











ما من أحد تسأله عن هليوبوليس إلا ويذكر لك البارون إمبان ، وقصره المنيف، فمصر الجديدة يعرفها الغادي والرائح ، من زار المكان ومن لم يزره مختصرا المكان في القصر وصاحبه، ولكن، ما هي قصة إنشاء هذه المدينة، المعلومات كثيرة والروايات متعددة، ولكن أن يكون هناك حكاء يعتبر جنسيته الحقيقية مصر الجديدة، ويحفظ تاريخها عن ظهر قلب، وشارك في كل ما كتب عنها ، فانصت واستمع إليه، فهو أندريه عزام الباحث بالمعهد الفرنسي للآثار، حيث يقول: في عام 1894كان البارون إدوار إمبان صاحب امتياز ترام القاهرة، وقبل ذلك كان من كبار المسئولين عن مترو باريس، وفي الوقت عينه كان صديقا لبوغوص نوبار مدير سكك حديد مصر، وابن نوبار باشا رئيس وزراء مصر، وفي عام 1900كان البارون إمبان يزور باريس وحضر معرضا عالميا فيها، والتقي المهندس المعماري الفرنسي ألكسندر مارسيل الذي اشتهر وقتئذ بالمباني المستوحاة من طرز المعمار للبلاد البعيدة ووضع رسومات لها بالمعرض وكان من بينها مبني لقصر ببلجيكا يجمع بين التراث الهندي والتراث الياباني، فطلب ان يشيد مبني مثله، فكان هذا المبني علي شكل معابد الخمير والهندوس (قصر البارون).






- هليوبوليس الجديدة


















ويسترجع أندريه عزام من مخزون ذاكرته بداية إنشاء مصر الجديدة: أن البارون إمبان كان في نزهة علي ظهر حصانه في تلك الهضبة الصحراوية شديدة الحرارة ذات الهواء الجاف برفقة بلدياته المهندس المعماري إرنست جسبار ، حيث كان الأمر في البداية هو التفكير في انشاء خط إضافي للمترو الكهربائي يكون بعيدا نوعا ما عن القاهرة في ذلك الوقت ،












وكان ذلك المكان هو تلك الهضبة الصحراوية بشرق القاهرة، فأعجب بالمكان خاصة أنه قريب من واحات هليوبوليس القديمة

(عين شمس والمطرية) فقرر إقامة مدينة حدائقية ذات واحات متعددة، فقام هو وصديقه بوغوص نوبار في مايو 1905بشراء 2595 فدانا بسعر زهيد من الحكومة المصرية، وحصلا علي امتياز مترو وخطين للقطار الكهربائي، وفي فبراير 1906أنشئت شركة واحات هليوبوليس - مصر الجديدة للاسكان والتعمير حاليا وفي نفس المكان منذ مائة عام - وكان هدف المدينة أن تكون ذات واحات متعددة ومدينة رفاهية لعلية القوم من الأثرياء ، بيد أن الازمة الاقتصادية التي حدثت بمصر عام 1907أحدثت انقلابا بالمشروع، فجذبت المدينة سكانا جددا من مختلف الطبقات الاجتماعية.













ولأن مصر الجديدة صارت عشقا وهياما لكل من زارها أو أقام فيها ولا تزال الذاكرة تحتفظ بالكثيرعنها لا تبرحها مهما مضي من العمر والزمن ، فيصفها روبير سوليه الكاتب الصحفي بـ " لموند " الفرنسية الذي عاش فيها حتي السابعة عشرة من عمره وألف كتابا عن مصر (مصر ولع فرنسي):





"يالها من قصة غريبة : قصة مدينتي ، ففي العادة نبدأ بإنشاء مدينة ثم نربطها بتجمع قائم وموجود، ولكن هنا حدث العكس ، فقد أوجد قطار كهربائي المدينة"، وحتي تقوم المدينة بهذا الشكل اتخذت " لنفسها أهدافا طموحة هي: الجرأة والالتزام والابتكار، فالمدينة سوف تضم شوارع واسعة وأكبر فندق في الشرق الأوسط وأول لونا بارك، وسوف تحظي بهندسة معمارية فريدة من نوعها تمزج بين الشرق والغرب. واختلطت الأشكال من عمارات بواكي علي الطراز المورسكي وفيلات من الطراز الإيطالي والقباب العربية والمنازل المتراصة والمتلاصقة علي الطراز الإنجليزي. ومع ذلك نشعر بتجانس في المدينة بفضل كراسة شروط جد صارمة"

ويصف روبير سوليه مصر الجديدة الآن بأنها أصبحت "شأنها شأن مدينة الاسكندرية - مدينة مصرية خالصة ولكنها تحمل آثار ما ضيها متعدد الجنسيات، فلا تزال المآذن والكنائس تتقاسم ذات السماء، ولا يزال عدد كبير من مدارس اللغات يحافظ علي لقاء الثقافات، ويعد هذا الانفتاح كنزا آخر جديرا بالحفاظ عليه".
























"كمباوند" خاص







تلك هي مصر الجديدة في عجالة، ولكن ماذا عن قلبها الأنيق، ودرة تاجها النابض، "الكوربة" التي جاء اسمها مشتقا من الكلمة الفرنسية La courbeأي الخط المقوس اوالانحناءة، حيث كان المترو يأخذ انحناءة أو دوران في هذا المكان في رحلة عودته قادما من شارع فؤاد الأول (وسط البلد) فكان ينادي (الكمساري) بلجيكي الجنيسة بكلمة (الكورب) فصارت إسما للمكان.




















فالكوربة عكس المدن الجديدة التي انتشرت فيها ما يسمي ب "كمباوندات" حيث تعددت وتعالت أسوارها وتقوقعت الهويات بداخلها نتيجة الخوف وأشياء أخري، أما في الكوربة فأنت تشعر بأنك في كمباوند خاص لا أسوار ولا تقوقع، مكان مفتوح للغادي والرائح، لا فرق طبقيا فيها خاصة شوارعها، حيث الكافيهات ذات الطابع الغربي

"سيلانترو" و"بينوس" و"ستار باكس" تتجاور مع "قهوة السوايسة" ذات الطابع الشرقي والتي تتوسط مكانين آخرين علي نفس الطراز الشعبي، كذلك مطعم "الشبراوي الشهير"، وفي القرب منه مطعم "شانتييي" المعروف وحلواني "قويدر" العريق و"لابوار" الشهير.












وتتميز الكوربة بشكلها المثلث، حيث تبدأ من شارع الأهرام بداية من فندق هليوبوليس ( قصر الرئاسة الآن ) حتي كنيسة البازيليك فشارع نزيه خليفة (البارون سابقا) الذي يتقاطع مع شارع الثورة حتي قصر البارون إمبان، ومن داخل الكوربة شارع بغداد الذي يلتقي أيضا مع شارع الثورة.






































حينما تصل الي قصر البارون فأعلم أن القصر أقيم علي هيئة معبد هندوسي وبدء البناء فيه عام 1907علي يد المهندس الفرنسي ألكسندر مارسيل الذي اشتهر وقتئذ بالمباني ذات الطرز العريقة ، وتذكر مي التلمساني في كتابها "هليوبوليس" ما كتبه ديزموند ستيوارت من أن البارون أنفق أرباحه من شركة الترام في بناء قصر له علي الطراز الهندي، يعد من أغرب الأبنية في مصر ، إنه من الخارج صورة مطابقة تمام التطابق لأحد "معابد مادورا" في الهند ببرجه الشاهق المخروطي وتماثيله علي هيئة الفيلة وزخارفه علي شكل رؤوس مفزعة لمخلوقات نصفها علي شكل آدمي ونصفها الآخر علي شكل حيواني.

ومازال قصر البارون يقف شامخا ينتظر يد التطوير والتحديث التي بدأت بالفعل بمبادرة من السيدة الأولي سوزان مبارك، وقد آل الي الحكومة المصرية منذ سنوات قليلة وتسلمته وزارة الإسكان والتعمير والمجلس الأعلي للآثار ووضعت خطة لتطويره تنفذها شركة المقاولون العرب، وبجوار قصر البارون قصر صديقه وشريكه بوغوص نوبار والذي مازال تحفة معمارية أيضا، وتم تجديده بنفس شكله من فترة قريبة، وأمام قصر البارون مباشرة هناك قصر السلطان حسين كامل 1914- 1917" مدرسة مصر الجديدة الثانوية بنات" ويروي أنه تم بناؤه هدية من البارون إمبان، حيث كان السلطان يريد قصر البارون لنفسه، غير أنه لم يعجبه القصر فتركه لزوجته "السلطانة ملك"، ومازال بنفس المكان القصور والفيلات التاريخية يملكها المصريون وبعض الامراء العرب والاجانب.







- شواهد التاريخ :

بعيدا عن التحفة المعمارية الخالدة قصر البارون إمبان، وكذلك قصر بوغوص نوبار تبقي هناك شواهد تاريخية ثلاثة شاهدة علي عراقة الكوربة إضافة أيضا الي مبانيها العريقة ذات البواكي التاريخية هي: فندق هليوبوليس بالاس وكنيسة البارون (البازيليك) وكنيسة الكوربة، ويمثل فندق هليوبوليس بالاس (قصر الرئاسة الآن) درة تاج الكوربة ، فقد بدأ العمل فيه عام 1906وافتتح عام 1910، في حفل فخم ويعد هذا أول مبني في الكوربة واشترك فيه البلجيكي "أرنست جسبار" حيث وضع التصميم العام له، بينما وضع ديكوراته الداخلية المأخوذة عن مصنفات للنقوش العربية الفرنسي ألكسندر مارسيل ، وتكلف إنشاؤه 60ألف جنيه، بينما بلغت تكلفته الإجمالية بعد تأثيثه خمسة ملايين جنيه، وبلغ ارتفاع واجهته مائتي متر وتعلوها قبة ارتفاعها 55 مترا، وقد زخرف من الداخل بإفريزات أرابيسك، وزخارف علي شكل ضفائر، وسعف النخيل، وورود وأغصان، وبه قاعات فخمة لحفلات الاستقبال، و400 حجرة مؤثثة تاثيثا فاخرا، و قاعته الرئيسية قاعة دائرية نسج لها خصيصا سجاد إيراني وكان قطره 30مترا نسجت مرة واحدة، وقد وصف بأنه " قصر من قصور الأساطير العربية شيد وسط رمال وجاءت مدينة لتحيط به "وكان ـ عن حق ـ أجمل وأفخم فندق في الشرق الأوسط، وتم استخدامه كمستشفي في الحربين العالميتين، وقد زاره ملك بلجيكا (ألبرت الأول ) بعد افتتاحه وأقام هو وزوجته إليزابيث فترة طويلة حتي إن الميدان الموجود به كنيسة البازيليك ( الأهرام حاليا ) سمي باسمها فترة طويلة، وبعد ذهابها إلي بلجيكا افتتحت قسما للمصريات في مؤسسة تحمل اسمها حتي الآن وفاء لمصر وعشقا لها.












- ذكريات عاشت

لأن المكان شهد طفولتها وصباها ونمت وترعرعت بين حدائقه وأشجاره فقد كرست جل مجهودها للحفاظ علي هذا المكان وتنميته إنها السيدة سوزان مبارك والتي تقول عن مصر الجديدة: " إن حي هليوبوليس يحتل مكانا خاصا وغاليا في قلبي من بين أحياء القاهرة الصاخبة والنابضة بالحياة ، عشت في هذا الحي طوال حياتي ونمت عائلتي بين ربوع حدائقه وأشجاره وزهوره "، ثم تخص قصر البارون إمبان باهتمام خاص " ولطالما راودني حلم تحويل هذا القصر إلي مركز ثقافي كي يروي قصة مدينة هليوبوليس، ويسعدني كثيرا اقتراب تحويل الحلم الي حقيقة "
وتصفه في مكان آخر بأنه "الحي الذي نشأت فيه وتربيت علي أرضه وتعلمت في مدارسه وعرفت من خلاله فكرة الارتباط بالموطن والمشاعر التي تشد الإنسان إلي المكان الذي ألفه وعاش فيه، فهو يمثل ذكريات العمر وأحلي أيام الطفولة والشباب ".








يتبع

مواضيع عشوائيه ممكن تكون تعجبك اخترناها لك: