+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: حلب ملامح ثقافية لمرحلة ما قبل الحداثة

  1. #1
    عضو مسجل
    تاريخ التسجيل
    Dec 2014
    المشاركات
    1,962,485

    حلب ملامح ثقافية لمرحلة ما قبل الحداثة


    حلب.. ملامح ثقافية لمرحلة ما قبل الحداثة
    العاصمة الاقتصادية للإمبراطورية العثمانية والمدينة الأكثر أهمية بعد اسطنبول

    ـ أكثر ما يميز حلب في الفترة موضوع كتاب «الشرق الأوسط» عشية الحداثة (حلب في القرن الثامن عشر) لمؤلفه ابراهام ماركوس، هي مكانتها الاقتصادية والتجارية الكبرى، وهو يفصل ويسهب في الحديث عن هذه المكانة. يقول عن ذلك: «كانت هناك أحجام ضخمة من السلع تصل إلى حلب كل سنة من مختلف بقاع الأرض، وكانت المدينة مركز تبادل تجاري وإعادة توزيع، فقد تدخل هذه البضائع على شكل قوافل يصل طول بعضها إلى ألف أو ألفي جمل لإطعام مدينة كبيرة بحجم مدينة حلب، ولتزويد الحرفيين فيها، فبعض هذه البضائع للاستهلاك المحلي وبعضها يتم تصديره إلى الخارج عن طريق مرفأ الإسكندرونة القريب، أو عن طريق البر».
    وفي حديثه عن العلاقات بين مختلف الأديان يقول: «كانت تنشأ بين المسلمين والمسيحيين شراكات من دون أن يقف الدين عائقاً، فقد تكون تلك الشراكات مصدر قوّة للمشروع لأن كل شريك يستطيع أن يؤمن زبائن من طرفه ليست متاحة للطرف الآخر».
    ولم يقتصر استقصاء المؤلف على الجانب التجاري والاقتصادي في المدينة، ولكنه امتد ليشمل العائلة الحلبية، فتراه يتناول أشكالها وفروعها وتماسكها وضعفها وبنيتها وما يؤثر فيها. وهو يلاحظ أنه يغلب على أهل حلب الزواج المبكر، فالقواعد الدينية تشجع على ذلك كواجب مقدس إلزامي وتمنع العلاقات الجنسية خارج إطار الزوجية. ومع أن المسلمين مسموح لهم بالزواج من أكثر من واحدة إلا أنّ تعدد الممارسة الفعلية كان محدوداً ومقيداً بالقلة القليلة من العوائل بسبب القيود الاقتصادية، وهذه الظاهرة أقل عند اليهود لأنه لا يسمح لهم بالزواج من أخرى إلا إذا كانت الأولى لا تنجب، أما المسيحيون فلا يسمح لهم مطلقاً بالتعدد.
    لقد عدّ كثير من الرحالة الأوروبيين حلب مدينة نموذجية في تلك الفترة، فأثنوا على مظهرها ونظافة شوارعها ووفرة الأسواق فيها، ولطف سكانها ووضعها الصحي حتى قالوا: إنها أكثر المدن أناقة وأكثر المدن في الإمبراطورية جمالاً، إنها تبعث على السرور دوماً.
    وأثنى المؤلف على الاستماع الفوري للقضايا في المحاكم والبت في الخصومات وإنهائها، وكانت قوانين الشريعة الإسلامية وقانون الدولة عدا العرف ملزمة إلى حد كبير، ولم تكن المحاكم لتحابي أحداً فهي تحكم لصاحب الحق لا للقوي وصاحب السلطة، فموظفو الحكومة وأفراد العوائل المتميزة والأشراف خسروا قضايا لمصلحة من هم أدنى منهم منزلة، كما أن المسيحيين واليهود غالباً ما كانت الأحكام تأتي لمصلحتهم في خصوماتهم مع المسلمين.
    وعلى الرغم من الكوارث والأوبئة والزلازل التي مرت على المدينة، وحصدت الآلاف من سكانها في ذلك القرن، فإنها سرعان ما كانت تنهض من محنتها دون أن تترك هذه الأوبئة وراءها جزعاً مدمراً أو تغييراً في بنية المجتمع أو اعتقاده أو نظامه الاقتصادي أو تركيبته السكانية. «لم تتسبب أوبئة الطاعون بأي انهيار في النظام ولا فوضى سياسية ولا توترات اجتماعية ولا أزمة إيمان، كما لم يكن هناك خوف أو هروب جماعي من المدينة.. بقيت الأسواق مفتوحة وكان معظم الناس يذهبون إلى أعمالهم بصورة عادية».
    لقد تمّ بناء المنظر المديني بطريقة جذابة، وأوقفوا له شبكة من الخدمات والمؤسسات الاجتماعية العامة، واضعين له مراقبة لتنفيذ الاحتياجات بما في ذلك أسباب الراحة والأمن والخصوصية والوقاية من العوامل الجوية. فلم تكن المدينة تدار من قبل بلدية، ولم يكن هناك تدخل حكومي في إدارة القضايا المدينية والخدمات، فقد شكلت مئات المؤسسات الخيرية الوقفية من قبل المحسنين الذين دعموا الخدمات والمؤسسات الجماعية، مظهرين أحد أهم الجوانب العديدة للروح الجماعية والنشاط الجوهري لفهم أعمال المدينة.
    وإذ تناول المشهد الثقافي في المدينة، تحدث عن المعاهد التعليمية وأكثرها ديني، ثم يذكر الموسيقى فقد تمتعت بشهرة في مدينة حلب لغناها وتنوعها وامتلاكها ذخيرة واسعة ناسبت جميع الأذواق وكانت تعلّم شفهياً شأنها في ذلك شأن جميع الفنون.
    لقد بقي التعليم مقتصراً على النخبة، أما عامة الناس فكانوا ينهلون من الثقافة الشفهية، ويعدد المؤلف في المدينة واحداً وثلاثين معهداً في السنوات المتوسطة للقرن، كان معظمها مؤسسات تعليمية متواضعة سرعان ما أغلقت أبوابها، وبعضها كان يملك نظاماً مثيراً للإعجاب مثل المدرسة العثمانية والمدرسة الأحمدية.
    ومع أن أوّل مطبعة عربية في الشرق الأوسط جاء بها مسيحيون إلى مدينة حلب عام 1706 فقد فرضت السلطات العثمانية حظراً على الطباعة باللغة العربية من قبل المسلمين طيلة القرن، ولذلك لم تكن الصحف والمجلات منتشرة، ولو وجدت لساعدت على انتشار القراءة والكتابة.
    إن كلاً من المسلمين وغير المسلمين اشتركوا في تكوين ملامح حلب الثقافية، ولم يكونوا غرباء عن بعضهم بعضاً، وأديانهم غرست فيهم الرؤى الأخلاقية والمثل الاجتماعية المتشابهة. وكظاهرة عامة، فإن الحلبي لا يمتلك محلاته التجارية لكنه يستأجرها، وهو لا يستأجر مسكنه لكنه يملكه، ويستثمر أصحاب الأموال (بما فيهم النساء) أموالهم في شراء محلات وتأجيرها، ثم يأتي المؤلف بقوائم وبيانات من سجلات المحكمة الشرعية. إنه يقارن ويحلل ويستنتج ليظهر الفوارق الاجتماعية والطبقية بين السكان وبين الشوارع والحارات.
    كانت حلب قبل مئتي عام مركزاً حضارياً كبيراً ومكان تجاريا هاما، أعجب بسحرها ونظافة شوارعها وجمال تصميمها الكثيرون، حتى غدت العاصمة الاقتصادية للإمبراطورية العثمانية والمدينة الأكثر أهمية بعد اسطنبول.

    جريدة الشرق الاوسط

    مواضيع عشوائيه ممكن تكون تعجبك اخترناها لك:

    فنادق عطلات



  2. #2
    عضو مسجل
    تاريخ التسجيل
    Dec 2014
    المشاركات
    1,962,485

    رد: حلب ملامح ثقافية لمرحلة ما قبل الحداثة

    الغالى ابو علاء

    بصراحه انت روعه عندما تكتب عن حلب تلك المدينه الجميله الرائعه الهادئه

    مدينة يعشقها كل من يأتى اليها

    انى اعشقها الى درجة الجنون

    فنادق عطلات


+ الرد على الموضوع

المواضيع المتشابهه

  1. سؤال عن اربع فنادق من ناحية الحداثة والنظافة
    بواسطة Robot في المنتدى بوابة السفر إلى الإمارات U.A.E
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 02-02-2015, 11:34 PM
  2. لأصحاب الخبرة والتجربة رتب فنادق الكويت من حيث الحداثة والرقي
    بواسطة Robot في المنتدى بوابة السفر إلى الكويت Kuwait
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 02-02-2015, 12:30 PM
  3. الحلبيون و الحداثة التكنولوجيا عبر التاريخ مع الصور
    بواسطة Robot في المنتدى بوابة السفر إلى سوريا Syria
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 02-01-2015, 11:20 AM
  4. الشابسوغ شارع عبّدته الذاكرة بالضجيج وأسلمته الحداثة للنسيان
    بواسطة Robot في المنتدى بوابة السفر إلى الدول العربية و الاسلامية الأخرى
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 01-16-2015, 04:05 AM
  5. الحلبيون و الحداثة التكنولوجيا عبر التاريخ مع الصور
    بواسطة Robot في المنتدى بوابة السفر إلى تايلاند Thailand
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 01-15-2015, 11:30 AM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
X