الحكواتي ابو شادي

رغم توافر وسائل الإعلام المتنوعة، وكثرة وسائل الترفيه بسوريا خلال شهر رمضان الكريم، فإن هناك من يفضل الاستماع إلى قصص "الحكواتي رشيد الحلاق" (أبو شادي)، ويصغي لصوته الأجشّ والدافئ الذي يمسك بتلابيب السمع؛ ليأخذك إلى دنيا أصبحت من الماضي.

و"أبو شادي" قاصٌّ شعبي يتخذ مكانه في صدر مقهى "النوفرة" بدمشق، على سدة عالية من الخشب، يقص على الحضور سيرًا شعبية عن: عنترة، والظاهر بيبرس، والزير سالم، وأبي زيد الهلالي، والملك سيف بن ذي يزن.

ويقول أبو شادي لمراسل "إسلام أون لاين.نت" السبت 1-12-2001: "في الماضي كان لشهر رمضان الفضيل وللسهرات الدمشقية العريقة مجدها الذي غاب طوال السنوات الماضية؛ إذ يجنح الأقارب -رجالاً ونساء- يتبادلون النكات ورواية أخبار السلف وقفشاتهم، وبعض تلك السهرات كان يتخللها الغناء والطرب والمزاح البريء، فضلاً عن المساجلة بالأقوال والأمثال والأزجال، ولا يزال لتلك السهرات الأثر المحبب إلى نفوس جيلنا".

ويضيف أبو شادي أن الناس يتوافدون تباعاً لــ"مقهى النوفرة" بعد صلاة التراويح؛ وذلك للاستماع له، وليشاهدوا فصلاً من خيال الظل، الذي يكون في شهر رمضان فقط، ومن ثَم يبدأ "الحكواتي" يتلو القصص والحكايات دون كتاب، وبالاعتماد على جعبة الذاكرة، وأساليب التعبير سواء بنبرة الصوت وحركات اليدين، وتعبيرات الوجه، مشيراً إلى أن سيرة عنترة كانت من أهم السير المحببة إلى النفوس، وهي سجل حافل لحوادث وقعت في قلب شبه جزيرة العرب والعالم الإسلامي، ويستطيع المرء من خلالها أن يتعرف على القبائل العربية التي ورد ذكرها في السيرة وعاداتها وتقاليدها، فضلاً عن سيرة الظاهر بيبرس التي تتقصى أخباره، وتجعل منها محوراً للأحداث المتعلقة بالدولة الأيوبية.

ويؤكد أبو شادي الحكواتي أنه يركز خلال قصّ السيرة على بثّ مكارم الأخلاق والشجاعة والفداء في نفوس القوم من خلال تجسيد هذه السمات في شخصية أبطال هذه السيرة الذين يحالفهم الحظ فيها، ومنهم الذين يتصفون بالكذب والبخل والغدر والنكث بالعهد، وكان الناس بالمقهى منقسمين إلى فئة تناصر البطل وتتحمس له، وفئة أخرى تعارضه؛ وهو ما كان يسبب في بعض الأحيان وقوع خلافات بين الطرفين، ويقوم الحكواتي باستغلال ذلك، ويحبك القصة ويصعد الأحداث إلى أن تتوقف عند عقدة يكون فيها البطل في موقف حرج على أمل اللقاء بهم في اليوم التالي ليتابع لهم السيرة.

وعن وسائل الإعلام المختلفة ومنافستها للحكواتي، يقول أبو شادي: "إن تلك الوسائل تتنافس حتى فيما بينها لكسب الجمهور، ولكن لكل وسيلة إعلامية مضمارها الذي تستطيع من خلاله تقديم ما يخدم الإنسان، وما يجعل من حياته أكثر فرحاً وسروراً، أما الحكواتي فهو يضيء بما يقوله جوانب مختلفة من الحياة الاجتماعية التي عاشها أجدادنا في فترة ماضية ضمن الأحياء الشعبية التي احتضنت الناس، كما أنه بسيره يعود بنا إلى عوالم بعيدة جداً.. عوالم أصبحت جزءاً من تاريخنا؛ فالحكواتي يوقظ التراث الشعبي، ويجعله نابضاً بالحياة من خلال سرده للملاحم التاريخية التي عاشها أجدادنا، وحكاياتنا الشعبية التي ترسم واقعهم وحياتهم" .

الحكواتي فنان مبدع

وعن بدايات عمله، وجمهوره، ومميزات الحكواتي، يقول أبو شادي: "عندما بدأت العمل لم يكن هناك شيء من القصص الشعبية في بلاد الشام، وحتى عام 1990 كنت الحكواتي الوحيد في الشرق الأوسط؛ فأنا لا أعترف بمن يأخذون هذه المهنة كتسلية لهم أو من يعمل بشكل متقطع، أو عندما لا تكون لديه مهنة أخرى".

ويشير أبو شادي إلى أن ما يميز الحكواتي أنه فنان يجيد الإلقاء والحركات والتعبير، ويعيش من خلال إحساس، ويتأثر بالكلمة والحادثة التي يقرؤها ويعيشها، ويعبر عنها بطريقة مختلفة عما يعبر عنها في وسائل الإعلام المختلفة من إذاعة وتلفزيون أو في الصحف، إنه يعبر عما يحدث الآن من خلال إعادة السير الشعبية التي تناسب الحدث؛ ليستطيع أن يقدم عبر سيرته ما يحقق الفائدة للناس.

ويؤكد الحكواتي أبو شادي بأنه يحاول باستمرار استخدام طرق تأثير مختلفة لجذب انتباه الرواد، مشيراً إلى سعيه المتواصل لحماية التراث القيم من الفناء، كما يروي قصصًا شعبية تخدم حدثاً يعيشه أهل الحي، يجدون فيها عبرة وعظة، ويحاول تقديم نصيحة معينة، مشيراً إلى أنه يحاول القيام بدور المرشد الاجتماعي الذي يرى الخطأ ويحاول إصلاحه، ولكن من خلال القصص والأمثال الشعبية.

وعن جمهوره، يقول أبو شادي: في الماضي كان جمهوره قاصراً على كبار السن فقط؛ لأن الصغار لم يكونوا من رواد مقهى "النوفرة"، أما النساء فلم يكن يتجرأن حتى على المرور من أمام المقهى التي كانت حكراً على الرجال فقط، وما إن يباشر الحكواتي بسرد حكاياه وأخباره حتى يخيم الصمت والهدوء على المكان.

أما في الوقت الحالي؛ فالأمور اختلفت كثيراً؛ فالنساء والرجال أصبحوا يجلسون معاً بالمقهى النوفرة ويستمعون للحكواتي، وهم يرتشفون المشروبات من الشاي والقهوة، ويدخنون الأراكيل أيضاً، وفي بعض الأحيان يأتي السياح الأجانب للمقهى، ولكن بدافع الفضول فقط، فهم غير مهتمين بما يُتلى على مسامعهم من السير الشعبية، ويتفاوت حضور السياح؛ ففي بعض الأيام لا يتجاوزون أصابع اليد، وفي أيام أخرى يغص المقهى بهم.

منقول: http://www.islamonline.net/Arabic/ne...rticle07.shtml

مواضيع عشوائيه ممكن تكون تعجبك اخترناها لك: