* دراسة اجتماعية : ماجد محمد ..


حين نُلقي نظرة دقيقة إلى الحالة الأسرية في بلادي ، وتحديداً إلى الحالة العاطفية ما بين الذكر والأنثى ، سنجد نسبة مرعبة لا يُستهان بها من حالات الطلاق التي تُفزع الرجل المُقبل على الزواج بالعموم والأنثى بالخصوص ، وخصيّت الأنثى بالقول نظراً لأحوالها التي ستسير في نفقٍ مظلم ومخيف بعد طلاقها ، وأن عُمرها الأسود ( بعيون المجتمع ) سيستطيل أكثر كلّما تقدمت في العمر دون أن تتزوج رجلٍ آخر ( ليسترها ) مع الأخذ بالاعتبارِ بأنها ستكون محظوظة جداً لو وجدت رجلاً يقبل بها كزوجة أولى رغم قُرب الأمر للاستحالة .

لقد كتبت نصاً في 13 سبتمبر من عام 2010 م بعنوان ( http://www.majed-mh.com/wordpress/?p=869) وواجهت الكثير من النقد تجاه لغتي التي صورّت الحب بشكلٍ مادي كما أخبرني بعض قُرائي أثناء نقاشاتنا حول الموضوع ، وخرجت بعدّة فوائد من تلك الحوارات القيمّة التي أبرزت الكثير من معاني الحب في الوجود ..

لكني للأسف وجدتُ الكثير من الضجر تجاه وصفي للحب بأنه حالة احتياجيه وكأني بذلك أنقِّص من معاييره التي يُحب أن يراها الناس به ! ومع هذا ما زلتُ أرى الاحتياج نعمةً إلهية قيمّة تجعل للأشياء لمعاناً فريداً يهبنا الرغبة لأن نستفزَّ دواخلنا لكي نظفر بتحقيقها ، ولولا الاحتياج لما كنّا نسير على هذه الأرض بحثاً عن متطلبات حياتنا على كافة أنماطها وألوانها ، ولولاه لمَا خضنا التحديات التي تجعل لثمرة الفوز طعماً يَصعب نسيانه لأنه أتى بعد احتياجٍ شاق وتمارين طويلة لكي نصل إلى مبتغانا ..

لنتحدث قليلاً عن الزواج ، ذلك الرباط المقدّس الذي يجمع ما بين رجلٍ وامرأة وفق بنود محددّة يتم الاتفاق عليها بين الطرفين . هذه العلاقة التي تستمر ( غالباً ) حتى يأخذ الله أمانة أحدهما إن سارت بالدرب الصحيح الذي يَروي رغبات ( واحتياجات ) الزوجين بالشكل الذي تأملاه قبل ارتباطهما سوياً .

وجميعنا يعلم بأن الحب هو المحفزِّ الأول لاستمرار علاقة الزوج بزوجته ( والعكس صحيح ) ، وأنه من دون هذا الحب فلن يكون هنالك علاقة صحيّة في الأسرة المتكاملة التي تعول عليها المجتمعات لبناء حضارتها التي لا تتم إلا عن طريق أبناءها وبناتها المُؤسَسين داخل محيط الأسرة . وبالنظر إلى المجتمع السعودي ، سنجد أن نسبة المطلقات كبيرة جداً وتتجاوز المليون مطلقة حسب إحصائية قديمة تعود لعام 2008 م ، وهذا الرقم قابل للازدياد مع تفاقم حالات الزواج من القاصرات وغيرها من المشاكل التي تهدد مستقبل الأسرة السعودية بالتفككّ مِمَا يولدّ أسرة مضطربة غير آمنة وقد تقود عناصرها إلى التطرّف بكافة أشكاله .

أستطيع القول بأن المشكلة الرئيسية تكمن في عدم قدرتنا على خلق تناغم وتناسق ما بين ( الحب والاحتياج ) الذي يسعى له كل فرد في المجتمع ، فلو أتزن الحب والاحتياج على ميزانٍ واحد فالنتيجة ستكون مُرضية إلى حدٍّ كبير . وما يحدث في الوقت الراهن من تفككّ هو نتيجة لعدم اتزان كفتيّ الحب والاحتياج مما يسببّ الكثير من الالتباسات أثناء نشأة الأسرة . فميل كفّة الحب فقط قد تخلق تشوهاً كبيراً في العلاقة لأن احتياجنا الداخلي لإقامة أسرة تنعم بالراحة والأمان متطلب ضروري لاستمرارية نجاحها ، وميل كفّة الاحتياج فقط دون وجود الحب بين الطرفين سيجعل الأمر أشبه بوظيفة رسمية بين الزوجين ، إذ سيقوم كلّ فرد بالقيام بواجباته المطلوبة دون الاستمتاع بلذّة الزواج ، هذا الأمر أشبه بتناول الطعام دون وجود الملح لأننا نرغب في العيش فحسب وليس لأننا نرجو التلذذّ في نكهته والعيش في آنٍ واحد !

السؤال الذي يفرض نفسه : من هو المسؤول حول ذلك الاضطراب الذي يحل بالأسرة السعودية ؟ وللإجابة على هذا السؤال نحتاج فعلاً إلى كشف بدايات نشأة الزواج وما علاقته بالحب والاحتياج لتحديد بؤرة المشكلة وتحليلها بأفضل شكلٍ ممكن . فالزواج في السعودية عادةً ما يبدأ من بحث أم العريس عن أنثى في إحدى المناسبات وفقاً لمتطلبات الرجل الذي يبحث عن تلك المميزات الخارجية ( شقراء ، طويلة ، بيضاء ) وما إلى ذلك . ومن هذا المنطلق تبدأ الأم في البحث عن هدفها المنشود حتى تصل إليه ، وستسعى لتسخير كافة السُبل للوصول إلى والدة الفتاة بهدف التعارف وخطبة تلك الفتاة لابنها . بعد نجاح الخطوة الأولى وتجاوز الفتاة للمميزات الخارجية التي يريدها الرجل ، تأتي الخطوة الثانية بالسؤال عن الفتاة وأخلاق أسرتها ومستواها التعليمي وما إلى ذلك من أسئلةٍ دقيقة لمعرفة ( المميزات الداخلية ) لتلك الفتاة التي ستمنح لابنها الكثير في حال وجود (النصيب) كما يُقال بالعادة مع ملاحظة أن كلمة النصيب قابلة للتمددّ والانكماش في معناها كما سيتم شرحها في هذا النص ..
لو دققّنا قليلاً في الطريقة الكلاسيكية أعلاه ، سنجد أن الأولوية تأتي لتغذية احتياجات الرجل وذلك من خلال البحث عن مميزات المرأة الخارجية – قبل – الداخلية مِمَا يعطي انطباعاً لبعض الفتيات بأنها سلعة للتداول بسبب أنانية الرجل ، وهذا ما قد يرسبّ بعض البقايا في مشاعرها بأنه على قدر ( مميزاتها ) تكون مميزات فارسها المُنتظر وهذا ما يجعل الفتاة الغير مميزة الأكثر عرضة للاكتئاب في حال عدم وجود ( من يبحث ) عنها في المناسبات وكأن النصيب الذي يُنادون به مخلوقٌ للفتاة الجميلة المميزة وليس للفتاة الغير مميزة ! وهذا يعني أن كلمة النصيب أشبه بغطاء جميل يغلفّون به رغباتهم في إطار القدر وهو منهم بَراء ..

وإضافةً إلى ذلك ، فالطريقة الكلاسيكية قد تجعل الرجل محظوظاً بالزواج من فتاةٍ فاتنة بجمالها أو أخلاقها وإن كان لا يمتّ للوسامة أو للأخلاق بشيء والشواهد الاجتماعية لا تنتهي لحصر الأمثلة من حولنا ( وربما يفتقر لأغلب رغباتها ومع ذلك قد توافق ) بسبب الضغوطات التي تواجهها الفتاة من المجتمع و العنوسة المنتظرة إن تأخرت عن امتطاء خيل فارس أحلامها . ولهذا قد تضطر للموافقة على المركب الأخير من قطار الزواج قبل أن يسافر بعيداً. وقد تضطر إن رحل عنها لأن تنتظر قطاراً قد عاف منه الزمن لتتزوج من رجلٍ معددّ أو طاعنٍ في السن لكنه ما زال يملك قوّة الشباب أو حتى من رجلٍ لم تُعجبه زوجته القديمة وأراد التجديد بزوجةٍ جديدة قد تُشبع الجوانب التي لم يرتوِ منها بعد ..

ولهذا أصنِّف الطريقة الكلاسيكية بأنها طريقة بحتة لزيادة كفّة الاحتياج بين الزوجين فقط ، فالرجل سيتزوج بعد ضمانه للمميزات الداخلية والخارجية لأنثاه مِما يحققّ له احتياجاته ، وستتزوج المرأة إن وجدت بالمُتقدم ما يحققُ احتياجاتها الداخلية والخارجية أو قد تُجبر على الزواج به في حال خوفها من الالتحاق برَكب العوانس واللاتي يواجهنّ سوء الظن بحلهنّ وترحالهنّ داخل أسوار المجتمع . ولهذا تفتقر هذه الطريقة إلى الحب الذي يصنع اتزاناً مهماً في علاقة الزوجين .

سيخطر على بال أحدكم هذا السؤال : ماذا تقول إذاً بمن تزوجوا بهذه الطريقة التقليدية وتكللّت حياتهم بالنجاح وأنها ممتلئة بالحب والاحتياج لبعضهم البعض ؟

يجب أن نضع في الحُسبان بأن هنالك حبٌ موجّه و حبٌ تمّ توجيهه ، واحتياجٌ موجّه واحتياجٌ تمّ توجيهه وسيتم شرح هذه النقاط تباعاً . فالحب الموجّه هو احتياجاتنا الحقيقة التي نقوم بتصويبها وتوجيهها تجاه من أحببناهم فعلاً دون أن نتلقّى إشارة أو توصية من أيَّ شخصٍ بأنهم يستحقون الحب ، فنحن نُحب آباؤنا وأمهاتنا حبّاً موجهاً ولا ننتظر إشارة من أحدٍ ما لنتيقنّ من أحقيتهم بذلك الحب ..

أمّا الحب الذي تمّ توجيهه فهو تصويب الغير تجاه أشخاصٍ يستحقون الحب من وجهات نظرهم لما يحملونه من مميزات تختلف من مصوِّب لآخر ، أو بمعنى أوضح هو انتظار إشارة من الناس حول من يستحق الحب أو لا يستحقه . فأنتَ قد تُجامل أحد إخوتك بالحب في سبيل رضا والديك فقط ، فهما يجدان بحبِّ الأخوة لبعضهم البعض ميزة يجب أن تتوفر في العائلة المتماسكة ولهذا ستضطر للمجاملة ما دُمت قد خُلقت ببيئةٍ تُجبرك على السير بهذا النمط ..

أمّا الاحتياج الموجه فهو يتجسدّ في الرغبة الحقيقية للإقدام على هدفٍ ما دون مواجهة الضغوطات التي قد تُجبرك بالقيام به ، فالرجل الذي يريد الزواج دُون أن يُجبر من ذويه يمثّل احتياجاً شخصياً موجهاً ، أمّا الرجل الذي تزوّج وهو لا يرغب بالزواج لكنه حابى أهله بالموافقة فهو يمثّل الاحتياج الذي تمّ توجيهه من قِبل من هُم حوله ..

ولهذا لو نظرنا مرةً أخرى إلى الزواج الكلاسيكي سنجد أنه أتى من حبٍّ تمَّ توجيهه من قِبل ذوينا ، وأنه قد يحتوي على احتياجٍ تمّ توجيهه أيضاً بالضغط على أحد الأطراف لقبول الزواج . وربما قد يوفرّ هذا الزواج احتياجاً موجهاً بسبب رغبة الزوج و الزوجة في الحصول على الاستقرار العاطفي وملحقاته التي تأتي برفقة الإكسسوارات التابعة للزواج ..

ولهذا قد ينجح الزواج التقليدي في توفير حبٍّ واحتياجٍ بين الزوجين ، لكنه حتماً لن يكون بذات المتانة التي تأتي من حُبٍّ وجهناه بأنفسنا واحتجناه بأنفسنا . فما يأتي بإرادتنا واختيارنا سيكون أشدُّ قوةً من شيءٍ أتى بإرادة الآخرين ..

ملخص النص يندرج تحت نقطتين رئيسيتين : الأولى وتتمثّل بمشكلة نشأة الزواج لخلوهِّ من حبٍّ يصنع المعجزات . الثانية تتجسدّ في توجيه وفرض الوصايا في علاقة مقدسة حسّاسة مما يؤدي إلى فشلها أو هشاشتها وهذا ما يؤدي إلى خلق أسرة مترنحة ومتفككة فكرياً ، مما يُجبر الطلاق على حشر أنفه قسراً ليفرّق شمل أسرة بأكملها وهذا ما نخشاه . فتفككّ أسرة تلو الأسرة سيؤدي إلى تفككّ المجتمع ، وتفككّ المجتمع يعني ضعفه ، والضعف هو من يطمس هوية ذلك الشعب حتى تختفي ملامحه ..

ولهذا يَصعب عليك أن تقوم بعرض آرائك تجاه الموضوع في مجتمعٍ منطوٍ على عاداته وأقاويل قُدمائه ، ويكفي لكَ أن تُبرز مكمن الخطأ لتترك لهم فرصةً لخلق الحلول بأنفسهم ، ولا أنصحكم بحشر أنوفكم في عادات العوائل والقبائل بشكلٍ مباشر لكي لا يتم ضمكم إلى الدعوات التغريبية وأنكم تمثلون العناصر المحفزة لتملّص الشعب عن تقاليده العريقة كما يصفون.

هذه القضية تحتاج إلى حلول جذرية حقيقية ، ولأن الوصول إلى الجذور معضلة مستعصية لأيّ حلٍ بعدما تغلغلت في دواخل المجتمع ، إضافةً إلى عدم وجود حل بالإمكان أن نسير على بنوده بشكلٍ واضح ، لهذا أتأسف عن كتابة حل شفّاف بإمكانه أن يُساعد الآخرين ، ولو توفرّ ذلك الحل سنتمكن من حل مشكلة بعثرت الكثير من الأسر بسبب سهولة الطلاق في الوقت الراهن . فعدم معرفة الحلول لا يعني عدم وجودها ، وأول خطوات العلاج هو تشخيص الحالة !


* تمّت
منقول
راق لي واتمنى لكم ذالك

مواضيع عشوائيه ممكن تكون تعجبك اخترناها لك: