قاسيون ... حارس دمشق القديم ... له هيبة تفوق هيبة الملوك ... حتى العشوائية التي تتسلقه تمثل جانبا من شموخه وكبريائه !
قالوا ... إن قابيل قد قتل هابيل على جبل قاسيون ... فعجبت من أمر ذاك الجبل الذي أريقت على جنباته دماء أول جريمة قتل عرفتها البشرية ... لكن العجب أن مصارع العشاق ما زالت لحد اللحظة تراق على سفح هذا الجبل الأشم ... ووفودهم تترى إليه !! ... وليته كان أخضرا لطرت به فرحا وسميته الجبل الأخضر ... لكنه أقرع ولست كذلك :106: !!!
زرت الجبل ولم يدر بخلدي أن أصور منه إلا ذكريات أسجلها لزمن أقضيه في هذا البلد ... لكن بعد أن تأملت صوري ... وجدتها تتكلم وتبوح ... فماذا قالت ؟!
هذا ما سنعرفه !
قال لي الجبل : لا تظن أن المكان الذي يسعدك ، بالضرورة أن يسعد غيرك ، الناس أذواق ومزاجات !!!

قلت : معك حق ، فمراجيح الميدان الباهتة قد تتعلق بها الأنفس البريئة الشقية !!
..........
وقال لي : هل ترى هذه الكوة ... قلت : نعم ... قال : الداخل لها مفقود والخارج مولود ، والسلامة كل السلامة أن تتجاوزها لأرض الله الواسعة !!!

قلت : هذا ما عقدت العزم عليه يا صاحبي (طبعا أمون عليه ... كلنا جبال :101: )
.........
قال : انظر ... مر نصف الشتاء بالتمام والكمال ... وما زالت أوراق تلك الشجرة تقاوم البرد ولم تسقط ...

قلت : هي جبارة إذا !
فابتسم وقال : معك حق ... لكن أمهلني لبداية العام !
........
قال لي الجبل : قد نتفق وقد نختلف ... ونكره و نحب .... وقد نرضى وقد نغضب ... لكن صدقني سيبقى لهذا الرصيف عشاقه ومريدوه !!!

سكت..! لأني شعرت بأنه ممن يتابع أخبار المنتديات السياحية ...وما يقال عنه فآثرت الصمت ... والصمت أحيانا حكمة !
.......
جلسنا على كرسي مطل ... وأخذت أنظر للأفق البعيد مطلقا زفرة الرضى وآخذا شهيق الأنس بهذا الجو الربيعي في وسط الشتاء ... أردت أن ألفت انتباهه لذاك المبنى... فقطع حديثي ...وقال :
ما أغباكم يا بني البشر ... أحيانا تنظرون للبعيد ... ولو نظرتم للقريب لغرقتم في الأنس والسعادة !

......
قال لي : هناك شيء يزعجني حقا ... قلت : وما هو ؟ قال : يقدم الناس من كل مكان ... كلهم يسعى لقاسيون الجبل العظيم ... من الشام وخارجها ... فإذا ما وصلوا هنا أشاحوا بوجوههم عني وباتوا يتغزلون في مدينتهم الكئيبة... كلهم ينظر من حيث أتى ... فما نفع هذه الأشواق ؟!... حتى هذه الورقة لم تمل النظر للمدينة البائسة !

قلت له : يكفيك أنهم طول إيامهم ولياليهم ينظرون إليك ... فهل تلومهم أن نظروا لمدينتهم ساعة من نهار ؟!!!...
فابتسم وطأطأ الجبل رأسه وأراد أن يصرف الموضوع وقال : شو رأيك ناخد نفسين أرقيله !!
قلت : خلك رسمي بلاش طفاقة ... أنا ما أشيش !
فاحمرت وجنتاه ... ونظر إلى أطفالي وهم يعدون على الرصيف ... فقال : جميل جدا أن يجد الأطفال بعض متعتهم هنا !

وعندما حان وقت الغروب ... قال لي : انظر ما أروع الغروب على الجبال ... أليست روعته لا تقل عن روعة الغروب على الشواطئ .... قلت : بلى ! ... وهي عندي أروع وأجمل !!!

ودعته بعد وعد له بتكرار الزيارة .... ثم رمى لي بهذه الصورة التي تعبت لتكون أكثر وضوحا ... لكن ما الحيلة وقد اجتمعت فيها ظلمات ثلاث ... رطوبة الشتاء و دخان المدافئ وأجنحة الظلام !

مواضيع عشوائيه ممكن تكون تعجبك اخترناها لك: