في رحاب شهر رمضان المبارك
2015-06-13
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد..
إذا أقبل شهر رمضان تشوق الناس لهـلاله، وتقلبت وجوههم في السماء، وشنفوا آذانهم أيهم يسبق بمعرفة هذا النبأ السعيد، والحدث العظيم، وعدوا الساعات عداً، حتى تأتي البشرى بانتهاء شهر شعبان وبداية شهر رمضان، وهم لا يفعلون ذلك في سائر الشهور، بل ربما جهل كثير من المسلمين بداية الشهور أو نهايتها.
أخي الصائم /أختي الصائمة:
أهنيك أولاً بقدوم شهر رمضان المبارك شهر القران وشهر الصيام والقيام. فعليك أن تستشعر هذه النعمة العظيمة وأن تستبشر بقدوم هذا الضيف الكريم.
لقد أظلك هذا الشهر الفضيل ليقربك إلى الله سبحانه، ولتعلم فضل الله عليك بأن من عليك أن تكون ممن أدركه هذا الشهر الكريم، واعلم أن هناك من حرم هذا الشهر بسبب كفره والعياذ بالله وخصك بفضلك عليه وأن هناك من إخوانك من نزل بهم الموت قبل بلوغ هذا الشهر فاحمد الله على فضله وكرمه فالبدار البدار، قال : { إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين } متفق عليه.
فاحرص -أيها المسلم- على استقبال هذا الوافد الكريم, وأحسن استغلال أيامه ولياليه فيما يقربك من مولاك, وتعرض لنفحات ربك, ولا تكن ممن همه في استقباله تنويع المأكولات والمشروبات, وإضاعة الأوقات والصلوات, فسرعان ما تنقضي الأيام والساعات, وما هي إلا لحظات حتى يقال انتهى رمضان, بعد أن يفوز فيه أقوام ويخسر آخرون
فحري بنا أن نحسن استقبال هذا الوافد الكريم, قبل أن يودعنا ويرتحل عنا, ويكون حجة علينا يوم الدين, فالمحروم من حرم نفسه، فقصر في طاعة ربه في هذا الشهر المبارك.
لا بد أن نترجم الصيام إلى واقع عملي، وإلا فقد روحه . لا بد أن نتعامل مع الصيام بصفته عبادة من أعظم العبادات وركنًا عظيمًا من أركان الإسلام، لا أنه عادة توارثها الأجيال جيلاً بعد جيل.
إن الصيام لا يقتصر فقط على كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة وكف النظر واللسان والرجل والسمع، وسائر الجوارح عن الآثام.
فالصيام الكامل هو الذي يصل بصاحبه إلى درجة التقوى، كما قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 183].
ولا يصل الإنسان إلى درجة التقوى إلا بامتثال مكارم الأخلاق والبُعد عن مساوئها، فيتحلى بالصبر/ الأمانة/الرحمة والمواساة، وقضاء الحوائج /الشفاعة الحسنة/النُصح لكل مسلم والتعاون على البر والتقوى
إن هذا الشهر الفضيل فرصة عظيمة للمؤمنين ليتزودوا من فضائل الأعمال
فيا أيها التاجر المسلم:
ليكن لرمضان تأثير في تجارتك … نُصحًا للمسلمين … وتركًا للغش والخداع … وصدقًا في الحديث … وسماحة في البيع والشراء … وبُعدًا عن المتاجرة فيما حرم الله … ونأيًا عن المعاملات الربوية أو المحرمة بأي سبب شرعي … وبذلاً من أموالك لليتامى والأرامل والمساكين … وإسهامًا في مشاريع الخير أينما كنت.
ويا أيها الموظف المسلم:
ليكن لرمضان تأثير في وظيفتك … رحمة بالمراجعين … ودقة في المواعيد … وحرصًا على أوقات العمل … وإتمامًا للأعمال المطلوبة منك … وإنجازًا لجميع المعاملات المتأخرة … ونشاطًا لا يعرف الكلل والملل. وبشاشة عند المقابلة. ولينًا في الحديث وتلطفًا في الأخذ والرد.
ويا أيها الطبيب المسلم:
ليكن لرمضان تأثير في عملك … ولا يكن همك جمع المال واستغلال ضرورات الناس … فالتأني التأني في معرفة الداء ووصف الدواء … ولتكن رحيمًا بمرضاك، دقيق الملاحظة والمتابعة لكل حالة ترد عليك … وعليك بالكلام الطيب الذي يبث الأمل والرجاء في النفوس والقلوب.
ويا أيها المعلم المسلم:
ليكن لرمضان تأثير في درسك وحصتك … فكن قدوة صالحة لطلابك … واعلم أنهم يقلدونك في كل ما تأتيه من أقوال وأفعال وتصرفات … فاحرص على تعليمهم الأخلاق الحميدة والخصال الحسنة … وإياك أن يطلعوا منك على عمل قبيح أو تصرف سيء فعند ذلك لن يقبل منك النصح، ولن يكون لكلامك عندهم أي تأثير.
ويا أيها الوالد الكريم:
ليكن لرمضان تأثير في تربية أبنائك … فاحرص على الخير في هذا الشهر الفضيل … وعلم أولادك فضائله وآدابه وأحكامه وخصائصه … ولتكن أخلاق الصيام نموذجًا عمليا في تعاملك مع أهلك وأبنائك وجيرانك وأصدقائك …حتى تكون قدوة حسنة لأبنائك وجميع المحيطين بك.
أخي الصائم: وفقك الله لكل خير أوصيك أن تنتهز فرصة هذا الشهر العظيم بغفران الذنوب وتكفير السيئات والتقرب إلى الله عز وجل بقراءة القرآن آناء الليل وآناء النهار، فهذا شهر القران فإياك أن تبخل على نفسك بالأجر، قال الله تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185].
اللهم وفقنا لصيام هذا الشهر على الوجه الذي يرضيك واجعلنا فيه من عتقائك من النار برحمتك يا أرحم الراحمين.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
التعليقات