أهلا وسهلا بك إلى المسافر السياحة و السفر.
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، يسرنا ان تسجل معنا في اكبر مواقع السفر للتسجيل اضغط هنا

فندق البوريفاج … كلام في السياسة

2007-08-16
الصورة الشخصية
عدد المشاركات: 150

سكنت في الفندق عام 1999م لأسبوع من اجمل رحلاتي كنت أنام وأستيقظ واخرج
الغرض سياحي

رحل الجلاد وصدى سوطه يتردد في زواياها

البوريفاج وجامع وكاراكاس “بصمات” سورية.. مُررت من هنا

المستقبل – الاربعاء 26 نيسان 2006 – العدد 2248 – شؤون لبنانية – صفحة 9

رامي الأمين

ينتفض سائق السيرفيس في مكانه عندما يسمع كلمة “بوريفاج”. لفظ الكلمة أمامه يوازي شتيمة. يفكّر قليلاً قبل أن يقول لك هازاً رأسه: “اصعد”. تنطلق السيارة، وينطلق لسان السائق، لاعناً رستم غزالي وأزلامه، ومرسلاً اياهم في النهاية الى الجحيم.
“البوريفاج” لا يزال يعني الكثير للبنانيين. بعد سنة على انسحاب الجيش السوري من الأراضي اللبنانية، لم يستطع الكثيرون منهم التخلّص من “لعنة” المخابرات السورية ومراكزها. سائق السيرفيس لم يستوعب بعد أن مركز “البوريفاج” المخابراتي بات خالياً من محتليه. هو لا يستطيع أن يقنع نفسه بعكس ما أعتاده مدة ثلاثين عاماً. إثنا عشر شهراً تبدو غير كافية لمحو ثلاثة عقود من القهر والعذاب والإضطهاد والذل. يسألك بتردد إذا ما كان لا يزال هناك رجال مخابرات في مبنى البوريفاج. تجيبه أن “لا”. وتستطرد بأن المخابرات السورية لا تزال موجودة في لبنان لكن من دون مراكز معروفة هذه المرّة. يقول متنهداً: “الله يبعدهم ويسعدهم”. تصل سيارة السيرفيس إلى البوريفاج. يضعك السائق على المفرق. ويتطلع حوله كمن يشاهد تاريخاً طويلاً من الأحداث أمامه في لحظات، وينطلق بالسيارة مسرعاً. أنت الآن في محيط فندق البوريفاج. تدور بعينيك في المكان بحثاً عما تركه هذا المكان من ذاكرة.
بعد انسحاب المخابرات السورية من العاصمة اللبنانية بيروت، قامت مجموعة من الشباّن من التيارات السياسية كافة، بتسيير تظاهرات سيارة الى مركز “البوريفاج” في منطقة الرملة البيضاء مباشرة بعد إخلائه. وقام السكان المجاورون للمركز حيث كان يتواجد رستم غزالي وعناصر مخابراته، بطلاء أعمدة الحماية الموضوعة أمام المركز، باللون الأبيض، ثم أنشدوا أغنية الفنان الراحل زكي ناصيف “راجع يتعمر لبنان” رداً على الخراب الذي تركته سوريا في لبنان.
المنطقة تبدو لك راقية. المباني حديثة وذات هندسة معمارية متطورة. الطرقات نظيفة ولا أثر للفوضى في المكان. لكن الأمر ليس مثالياً كما يبدو من النظرة الأولى، فبعد البحث والتدقيق، تعثر في خلفية المشهد على مبان هرمة مليئة بالثقوب من مخلفات الحرب الأهلية وما تلاها من سلم أهلي. تحدس أن تلك المباني تشكّل مكاناً خصباً لتنامي البعث، تقترب شيئاً فشيئا منها وتكتشف عن قرب مدى فظاعة المكان. تصطدم بالخراب الهائل المنتشر كمرض السرطان. لا تفعل الحرب وحدها كل ذلك. هناك بصمة إضافية على الحيطان. هناك ثقوب من نوع آخر، ونقوش لها مرجعية واحدة. وقوفك هناك أمام ذلك الكمّ الهائل من الدمار والخراب والهمجية يجعلك لا تفكّر إلا في البعث وما يعنيه.
باحة الأبنية ظلّ لخرابها. تنهشها أكياس النفايات وعلب التنك والخردة. الحشائش النابتة فيها، يمكن تشبيهها بشعر زائد غير مرغوب في وجه امرأة جميلة. الأشواك أيضاً تنبت هناك. ليست الأشواك حكراً على الصحارى. فالأرض هناك تصحّرت. يبدو المكان كصحراء صغيرة في واحة كبيرة. صحراء تحيط بها الحياة من كل نحو وصوب. وكأنما الناس تقصّدوا محاصرة البعث، تمهيداً لاستئصاله. كأنما يريدون للمكان أن يبقى شاهداً على مرحلة تاريخية. بعد عام على اندحار رجال البعث من البوريفاج، لا يزال البوريفاج على حاله. لم تمسه يد. ولم يمسح عنه غبار السنة، ولا خراب الثلاثين. لم يرممه أحد، ولم تدفن آثاره. بقي على حاله كمعلم أثري يشهد على إجرام البعث وهمجيته. بقي سجناً وغرف تعذيب ومكتباً للمخابرات. وبعد ثلاثين عاماً سيزوره أولادنا ونشرح لهم قائلين: “هنا كان الاحتلال السوري ينكّل بمعارضيه”.
لم يكن معارضو النظام السوري وحدهم من يتعرض للتنكيل. كان اللبنانيون كلهم عرضة لتنكيل من أنواع مختلفة. فالبحث عن التغيرات التي أحدثها انسحاب الجيش السوري وما خلّفه البعث من خراب في أمكنته التي احتلها طيلة تواجده في لبنان، يكشف بداية ان نسبة الجرائم في الفترات السابقة للانسحاب، كانت بما يزيد عن نصفها يرتكبها سوريون، عمالاً ورجال مخابرات. لكن هذه النسبة انحسرت بعد عام على الإنسحاب السوري. وتتحدث المعلومات عن أن الجرائم البشعة من اغتصاب وجرائم الشرف وقتل، قلّت إلى النصف، إن لم يكن أكثر، خلال فترة العام الذي تلى الانسحاب. بعض المصادر تتحدث عن انحسار هذا النوع من الجرائم بنسبة سبعين في المئة. فسلسلة من جرائم الاغتصاب التي اتضح لاحقاً أن منفذيها رعايا سوريين في لبنان، لم تستطع السلطات اللبنانية إلقاء القبض عليهم بعد لجوئهم الى الأراضي السورية، بسبب سطوة السوريين في تلك الفترة على كل المرافق اللبنانية، بما فيها للأسف، القضاء اللبناني. فالإنسان العربي بشكل عام، يقاسي من ظلم بني قومه أكثر مما يقاسيه من أعداء بلاده، وهو ظلم أشد ألماً وقهراً في الجسد والنفس.
ليس بعيداً عن مركز البوريفاج يقع البحر. ازرق يتلألأ في شمس ربيعية. الشاطئ الذهبي للرملة البيضاء استعاد رونقه بعد عام على رحيل “تهمة” المخابرات عنه. هذا الشاطئ الذي لا ذنب له إلا أنه كان قريباً من البوريفاج، وكان رجال المخابرات يدوسون رماله ويلوّثون مياهه. اليوم انكسر حاجز الخوف من ارتياده. صار الناس ينزلون اليه ليتنزهوا على كورنيشه، صار المشهد للأطفال والرياضيين بدلاً من العسكر ورجال المخابرات. في الرملة البيضاء بعد عام، يرتاح البحر مبتسماً وهادئاً قرب شاطئه.
في الحمرا، حيث مركز جامع جامع يختلف المشهد. لا يبدو أن البعث مرّ من هنا. لا آثار تذكر في ذلك المكان. في المبنى حيث كان مكتب جامع جامع، وضع السكان صورة كبيرة للرئيس الشهيد رفيق الحريري عند المدخل، وعلماً لبنانياً كبيراً. هذا العلم اللبناني الذي كان ممنوعاً عليه أن يرفرف بحرية، تراه اليوم في كل مكان. لقد كانت الحمرا عصية على البعث. لم يبق فيها أدنى أثر من الاحتلال السوري. لقد محت الحمرا بصمات الاحتلال لأنها تريد ذلك، ولأنها مكان سياحي من نوع آخر، ولا يحتاج لأن يبقى فيها مراكز مخابرات يلتقط فيها السياّح الصور التذكارية. الحمرا اسندت مهمتها السياحية ـ الأثرية هذه إلى مركزيّ “البوريفاج” و”كاراكاس”.
تسير مشياً على الأقدام باتجاه “كاراكاس”. هناك يقع معلم مخابراتي سوري أثري آخر. لا يختلف المشهد كثيراً عما رأيته في البوريفاج. المبنى الذي يقع قبالة مطعم “أبو حسن” ليس أفضل حالاً من المباني المنتشرة في محيط فندق البوريفاج. النوافذ مهشمة الزجاج، واللون الأسود الناتج عن الحرائق يطمس المكان. البراميل والأكياس المليئة بالرمل توحي بأنك أمام ثكنة عسكرية، لا أمام “مكتب” للمخابرات. الدشم والمتاريس تحيط بالمبنى وعبارات “قومية” مخطوطة باللون الأحمر على الحائط الأمامي.
يبدو أن حرباً طاحنة مرّت على المكان، مع العلم أن الحروب التي خاضها البعث قليلة جداً، ومعظمها تتجه الى الداخل. حروب البعث كلها كانت تجري لقمع الناس وتطويقهم ونشر ثقافة الذلّ والرعب والهلع والاستزلام في ما بينهم. هذه الثقافة تبدو منحوتة في المبنى. رائحة الموت والعذاب والدم تفوح من المكان. أصوات الصرخات والاستغاثات لا تزال تصدر عن المكان على الرغم من خلوّه من السجّانين والمسجونين. المبنى احتفظ بدماره وخرابه كما هو. لا أحد يريد له أن يستعيد هيأته الأولى. يريده اللبنانيون أن يبقى شاهداً على “زمن الاحتلال السوري” كما قال أحد السكان.

انشر هذا الموضوع