ساحة الشهداء المرجة .موجز لتاريخ سورية خلال نصف قرن
2008-09-10ساحة الشهداء (المرجة)…موجز لتاريخ سورية خلال نصف قرن
في بدايات القرن التاسع عشر كان نهر بردى يتفرع في ساحة المرجة إلى فرعين يحتضنان جزيرة صغيرة غنية بالأشجار كانت تسمى ( الجزيرة )
أو (بين النهرين ) ثم عرفت باسم المرجة ولطالما شهدت طوفان بردى المتكرر إثر الأمطار الغزيرة وماكان يعرف بالفيضان أو (الزورة ) فتغمر الساحة والأسواق المجاورة.
لم يكن هذا فقط ماشهدته ساحة المرجة بل لقد كانت شاهداً على أحداث سياسية مهمة فبعد سنوات من تأسيسها قام جمال باشا السفاح بإعدام رجالات سورية ولبنان فيها في 6 أيار 1916 فصارت تعرف بساحة الشهداء كما شهدت إعدام أبطال الثورة السورية الكبرى الذين ألقت فرنسا بجثثهم في تلك الساحة لدب الذعر والخوف في نفوس الناس ( وفقاً للمؤرخ الكبير قتيبة الشهابي ).
فما هو التاريخ الذي تختزنه هذه الساحة التي كانت ولفترة طويلة قلب دمشق ومركزها قبل أن ينتقل إلى ساحة السبع بحرات أو التجريدة المغربية?
قبل أكثر من مئة عام أي في عام 1907 أقيم في ساحة المرجة ذلك النصب التذكاري الشهير بمناسبة إطلاق خط البرق القادم من استنبولإلى دمشق إلى المدينة المنورة وساحة المرجة هي أول وأقدم ساحة عرفتها دمشق المعاصرة مع بداية القرن العشرين حيث انطلق خط البرق بالتزامن مع إطلاق الخط الحديدي الحجازي ومحطة القطارات المجاورة.
وكما شهد عام 1907 انطلاق البرق فقد شهد أيضاً دخول الحافلات الكهربائية (الترامواي) إلى دمشق ولأول مرة في عهد الوالي ناظم باشا من قبل شركة التنوير والجر المساهمة المغفلة البلجيكية وكان مقرها في زقاق الصخر وفي نفس العام عرفت دمشق الكهرباء وقد استمرت حافلات الترامواي بالعمل حتى عام .1962
نواة مركز المدينة
في عام 1866 تمت تغطية نهر بردى في عصر الوالي محمد راشد باشا في تلك الساحة فغدت المنطقة ميداناً فسيحاً ما سهل حركة القوافل والنقل وصار اسمه الميدان الكبير وقد قام حسين ناظم باشا ببناء دار البلدية عام .1895 هناك تشكلت نواة مركز مدينة دمشق إذ أقيم بناءان آخران ( قبل دار البلدية ) أمام جامع يلبغا المملوكي هما دار البرق والبريد ودار العدلية وبناء السجن.
وفي عام 1900 فكر السلطان عبد الحميد وبتأثير من الألمان ببناء خط حديدي يمتد من المدينة المنورة إلى دمشق ويصل إلى استنبول ومنها إلى أوروبا وقد استغل الوالي ناظم باشا أمر السلطان وخصص 283 ألف ليرة ذهبية لذلك الغرض ويعتبر ناظم باشا أشهر الولاة العثمانيين على دمشق وله فيها إنجازات كثيرة منها جر مياه عين الفيجة إلى دمشق وإدخال الكهرباء والترامواي وإنشاء عدد من المباني الهامة كمبنى السراي الحكومي ( وزارة الداخلية حالياً ) والمشفى الوطني وغير ذلك.
عمود المرجة
إنه عمود تراجاني منحوت من البرونز تلتف حوله أسلاك البرق وفي الأعلى ثمة قاعدة مربعة الشكل تحوي أربعة صنابير لمياه الشرب وفي قمة العمود قاعدة مربعة أخرى تحمل نموذجاً مصغراً لأصغر مسجد في العالم هو مسجد سراي يلدز في استنبول. لقد غدا هذا النصب النادر خلال القرن الماضي واحداً من رموز دمشق الهامة.
اختصار لتاريخ مدينة
يمكن لكل ما شهدته ساحة المرجة من أحداث وتطورات أن تختزن تاريخ تطور مدينة دمشق ففي البدايات انتشرت عربات الحنتور السوداء تلاها دخول الترامواي ثم السيارة التي دخلت عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918 وكان الدمشقيون يعرفونها باسم (الأتونبيل) هذا إلى جانب وجود السيارات الكبيرة (البوسطة) وسيارات القاطرة والمقطورة للسفر عبر الصحراء (شركة نيرن) ثم تلا ذلك حافلات النقل الداخلي التي بدأت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام .1945
وفي خمسينيات القرن الماضي تحولت ساحة المرجة إلى مكان رئيسي لانطلاق سيارات السفر الجماعي إلى المدن السورية (التكسي) وبقيت كذلك حتى سبعينيات القرن العشرين حيث أنشئت مراكز الانطلاق في ساحة العباسيين والقابون.
فنادق – دور سينما – مسارح
بعد أن ولى زمن الخانات كأماكن للنوم شهدت ساحة المرجة بناء فنادق حديثة عديدة أوائل القرن الماضي كما عرفت أول دار للسينما (سينما زهرة دمشق) وأول فيلم سوري يعرض فيها وسينما باتيه (1918) التي أغلقت عام 1928 ثم سينما الإصلاح خانه (1921) وسينما الكوزموغراف وغازي وسنترال وفاروق وسينما النصر وإلى جانب كل ذلك انتشرت العديد من المقاهي ولعل من أقدمها الكمال وعلي باشا ومقهى الورد وشهدت الساحة أيضاً ولادة المسارح الدمشقية منها مسرح زهرة دمشق والنصر والقوتلي الذي انتهى بحريق عام .1928
صورة للذكرى
في إحدى الصور العتيقة التي بقيت شاهداً على لحظة من الزمن كثيراً مانرى ساحة المرجة تتوسطها وثمة مفردات أخرى إلى يمينها ويسارها: مئذنة جامع تنكز الذي شيده في العهد المملوكي نائب الشام الأمير سيف الدين تنكز الناصري عام 817 ه/1318م.
وزقاق رامي الذي فتحه رامي أفندي رئيس كتاب الوالي ناظم باشا, وبناء العابد الذي أنشأه أحمد عزت باشا العابد ثاني أمناء سر السلطان عبد الحميد الثاني وأشرف على تنفيذه وتصميمه المهندس الإسباني ( دو أوانده ) عام 1908 وأنهي عام .1910 وفي الساحة قافلة من الجمال تسير قرب النصب التذكاري, أما الناس فهم خليط من المارة وأصحاب البسطات والمهن.
ساحة المرجة مكان لاينام أناسه حيث الفنادق الشعبية والفخمة والمقاهي والبسطات تؤرخ لسورية في النصف الأول من القرن العشرين سياسياً وعمرانياً واجتماعياً وثقافياً.
الى اللقاء مع موقع أخر جميل من شذى المدن السورية
تحيااااااااااااتي
التعليقات