أهلا وسهلا بك إلى المسافر السياحة و السفر.
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، يسرنا ان تسجل معنا في اكبر مواقع السفر للتسجيل اضغط هنا

تونس بعيون خليجية

2010-10-23
الصورة الشخصية
عدد المشاركات: 789

تونس بعيون خليجية



من التجول عبر القرون الأولى واكتساب المعرفة إلى المتعة العائلية … أنت في أمان
سمعت في تونس حفيف «جبة» ابن خلدون في جامع الزيتون… أحكمت غطاء رأسي أدرت وجهي صوب القبلة صليت و… بكيت!
«سيدي بوسعيد» يطل على أجمل مشهد

|تونس من ليلــى أحمــد|

جريدة الرأي الاربعاء 23 يونيو 2010

على أداء جميل لعزف متناغم لموزاييك الطبيعة المتنوعة الاشكال والنكهات والالوان… وفي حضن كبرياء جبالها السامقة الصامدة… الشاهدة على مرور التاريخ اليوناني والروماني والعثماني والايطالي والفرنسي، مع تداخلات للمهاجرين الاندلسيين الذين هربوا من اسبانيا بعد سقوط الاندلس والذين لجأوا لدفء حضنها، وفي ظل حرارة الجنوب التى تحمل أبناء الارض من قبائل البربر العظام…. كانت «الراي» حاضرة على معظم هذه الشواهد في الجمهورية التونسية الآسرة الجمال. في رحلة لبت بها دعوة وزارة السياحة التونسية.
على مد البصر جبال تغازل سماء زرقاء صافية لا نهائية، تبهج الروح بلطف نسيمها المفعم بالعافية، سماء ممتدة عاليه بلا حدود تنقى عينيك من جهد امتد لعام عمل، وفرصة للخلاص من ضغوطات الحياة، سماء تتشاقى بها «عفاريت» غيوم بيضاء تبدو كدببة قطنية مرحة.
وتحت هذه القبة السماوية والجبال العالية ترقد بهدوء وسكينة انبساطات قرى الوديان المترعة بعيون وآبار المياه الطبيعية.
وعلى امتداد سهول خضراء أكرمتها الطبيعة بزهو أشجارها المتنوعة ومنها المثمرة ونباتاتها العطرية، نرى بكارة الارياف وخصوبتها،كما نجد في مكان آخر تناغم جمالية الصحراء بكثبانها الرملية، حيث خيام قبائل البدو الرحل.
ومن قرب سرمردية الوجود لسواحل مزدانة بحبيبات رملية بيضاء أو ذهبية ناعمة، ومع ووشوشة البحر المتوسط بمياهه الفيروزية «التركوازية» اللون المشتهى ترقد تونس كما قصيدة شعر، والتى تمنحك أسرارها الكامنة في أعماق التاريخ الكوني.
هناك الكثير من الجزر السياحية ومنها جزيرة الاحلام «جربه» الصيادين، وعافيتهم المستمدة من البحر… كل البيوت المصطفة في مناطق الساحل وحتى في العاصمة والضواحي تشبه قلبا عاشقا للحياة وتتجمل بلونين الابيض لطلاء البيوت والازرق التركوزاي للشبابيك والابواب المزخرفة بمسامير سوداء او ذهبية..

رحابة الاستقبال
تلك هي تونــــس الخضراء، أرض اللقاء والانفتاح والتنوع الاجتماعي والديني والتسامح، تونس همزة الوصل بين أوربا وأفريقيا وبين المشرق والغرب التى ذابت بها حضارات الدنيا عبر تاريخها، وتشكلت فيها العادات والتقاليد عبر تاريخها الطويل، والتى تمتاز بهويتها العربية الاسلامية وانعكس ذلك على أهلها الطيبين والودودين والذين يفرحون لسواح أتوا لقضاء وقت طيب في جمال ربوع بلادهم.. فيشعرونك انك لم تغادر أهلك في بلدك لاحتضانهم لك في اجواء عائلية حميمة تنطلق منها ودهم لك بعبارة «يعيشك».. او حين يسموك «للا ليلى» كأخت كبيرة لهم، والصغار الذين يسبقون اسمك بلطف عبارتهم «تاتا»… كما يعشق قلبي كلمة تقال في حال الاعتذار «سامحني» وتحمل حنان الدنيا لتغمرك بها…
تونس تحضنك بكل انواع الدفء الانساني و«تحبك» كخليجي بسبب انتشار المسلسلات الكويتية التى جعلتهم يفهمون لهجتنا ويحبون نجومنا عبدالحسين عبدالرضا وحياة الفهد وآخرون يتابعونهم بشغف.
تونس بوعيها وحرارتها ودينامكيتها و«جيناتها المتعددة الاصول» ألغت حاجز اللهجات العربية المنقسمة على ثلاثة وعشرين نطقا عربيا مختلفا، فلم تعد عبارة «يعطيك العافية» شتيمة باللهجة التونسية، فهي عندهم تعني بلهجتهم الدارجة «يعطيك النار» أي دعوة شريرة ليروا الجحيم كما قال «خالي «سيبويه بلغتة الفصحى، ولست مضطرا لتبرير عفويتك بالقول «أقصد يعطيك العافية… بالكويتي» فهم يفهموننا عالطاير، حين نرد لهم شكرنا على لطف أسبغوه علينا بل يتضاحكون «فهمناها بالكويتي فلا تشعري بالحرج… قولي ما تريدين فلقد فهمناكم من مسلسلاتكم التلفزيونية» فنفرقع ضحكا صافيا كآخر قطرات حبات المطر… كل هذا يحدث في تونس في أجواء من الامن والامان الذي قد لا تجده في اي قطر عربي أو غير عربي ويعم الهدوء جميع مدن البلاد.
تونس وبعد اختيارها عاصمة العرب الثقافية 2009 من اليونسكو، قررت ان تقدم سياحة تهتم بالتراث الثقافي والفني وتقدم وجهها الحضاري لسواح العالم، فغالبا يزور الاجانب تونس للاستمتاع ببحرها وشمسها وطقسها الجميل، وأسعارها المعقولة مقارنة بأسعار العواصم السياحية المعروفة، الا ان الحكومة التونسية قررت ان تفتح المجال أمام زوار العالم لزيارة آثارها المتوفرة بكثرة وتنوع في الفضاء الخارجي، فهي كما ايطاليا متحف مفتوح على الارض. فكما ان هناك آثارا خالدة من حقب قديمة، هناك مدن عتيقة في كل مدينه تونسية، وهناك لكل مدينة «قصبتها» اي القصبة في اشارة لعربية واسلامية المكان.
كما انها قطب اسلامي عريق منذ الفتح الاسلامي وتتجلى آثار المسلمين الاوائل في كل من القيروان والمهدية وكذلك في تونس العاصمة التى تبدو في سوقها العربي القديم تماما مثل حي الحسين في القاهرة، واهتمت وزارة السياحة التونسية بترميم هذه الشواهد من نفس مواد بنائها من تلك الحقب الغابرة.

سيدي بوسعيد
في كل بقعة من تونس مزار «ولي صالح» مسلم تقي ورع «ما أحلاه» يحل مشاكل من يلجأ اليه بحسب الذاكرة الشعبية في تونس،لديه معجزاتة، تتبارك به الناس خصوصا النساء جيلا بعد جيل حتى يومنا هذا،وجميع هؤلاء الولاة تم اختيار «أجمل» الاماكن لتكون مقرا لمراقدهم النهائية، ولعل أشهرها المنطقة الساحرة الجمال في «سيدي بوسعيد» وكانت وزارة السياحة التونسية قد خصصت لنا -مشكورة- سائقا نشطا اسمه هشام أخذنا لكل المناطق مع مرافقة عالية الثقافة اسمها حنان (وهي فخر الصناعة التونسية) والتى كانت تحكي لنا باخلاص شديد ما يميز كل ولي صالح عن غيره، وذكرت لنا الكثير من العطاءات التى لازالت تتوارث عنهم في ذاكرة الشعب التونسي،وتتميز مباني هذه الاضرحة والمزارات على زخرفة من الطابع العربي والاسلامي وتزدان بالشبابيك الملفوفة بالحديد،وبالابواب المطلية باللون الازرق المزدانة بالمسامير الذهبية او السوداء.
على بعد دقائق من العاصمة تونس يرقد ضريح الولي الصالح سيدي بوسعيد، ابو الكرامات الانسانية والتي توازن منطقته الواقعة على البحر المتوسط الغارق في سكون زرقته (العادة البحر المتوسط شقي لا يهدأ… الا هنا في سيدي بوسعيد، يمكن البحر خايف من مولانا) وبين عمق الاصالة وبساطة الحياة وفي منطقة فاتنة الجمال على البحر يتناغم به اللونان الازرق التركوزاي لطلاء الاخشاب كالابواب والنوافذ المطروقة بالحديد والبيضاء لطلاء البيوت ويبدو كالجص الابيض، ومع بلاد مثل تونس انعمت الطبيعية عليها طقسا متوسطيا معتدلا وشمسا مشرقة طوال العالم تبدو هذه البيوت شديدة الاناقة والجمال وتتضح لك تكون روعة مشهدية المكان.
فمن اعلى ربوة يرقد مزار سيدي بوسعيد فترى ابداع التوانسة عبر التاريخ الاسلامي في خلق منطقة ساحرة الجمال حيث يمتد أسفله زرقة البحر المتوسط الذي يحتضن «مارينا» اليخوت والمراكب الشراعية في خليج تونس وهو قبلة سياح العالم، تنتشر المطاعم والمقاهي على طول الساحل، ولان «النفس» التونسي مؤمن بطبعه ونظرا لقدسية المكان فلا نسمع موسيقات وأغاني صاخبة فهذا ممنوع «فحشيمة الولي سيدي بوسعيد واجب ديني على كل مسلم ومسلمة فليدعوه ينام… بسلام»
هنا مقهى كان يحبه ويزوره دائما المفكر الفرنسي الوجودي جان بول سارتر مع الفيلسوفة الفرنسية «حبيبتي» سيمون دي بوفوار، والكاتب المبدع البير كامو وغيرهم من مثقفي وسياسي العالم، تنهي يومك في امسية جميلة بمقهى عال تطل به على الساحل الجميل، وتحتسي شاي بالبندق «الصنوبر» العائمة مع أوراق النعناع الطازج، وهو ألذ شاي شربته في حياتي مع الحلويات التقليدية التونسية.
وفي سيدي بوسعيد الذي يلحقه عدد من الاضرحة لأهله وأتباعه يكتظ بمطاعم ومحلات بيع التذكارات التي تبيع قفص سيدي بوسعيد بالابيض والازرق وهو تميمة الخير ويتفائل به الناس، وبسبب كثرة عدد المزارات في كل انحاء تونس ونسبة الى عدد السكان البالغ احد عشر مليونا الا شوية ضاحكت حنان وقلت لها يبدو ان بلدكم المبارك به لكل مواطن… مزار ولي صالح!

وما أدراك مـ«الكاف»
قبل ان تصل الى مدينة «الكاف» كنا نمر على عدة قرى هادئة تتميز بالبساطة المعمارية، تتجلى العشوائية في الشكل العام، فكل واحدة لها اسلوبها المعماري – بحسب المستعمر الذي دخلها وأقام عليها شواهده – وكل منطقة لها شعارها الذي نجده ينتصب في مدخل المدينة، فطائر اللقلق هو شعار لمنطقة «باجة».
كما ان المعمار الاندلسي نجده في منطقة «تستور» التى انشئها الاندلسيون بعد هروبهم من اسبانيا بعد سقوط حكم العرب هناك منذ القرن الثالث عشر الميلادي انشأوا العديد من الصوامع التى تشبه صوامع اشبيلية الاسبانية كما انشأوا عدة مساجد على النمط الاسباني.
تشعر حين تكون في منطقة «الكاف» بانك عدت لقرون الى الماضي، فهي تجمع بين مختلف الاثار اليونانية والرومانية والعثمانية، فـ«الكاف» ايضا تشتهر بزراعة القمح والزيتون وكل الحبوب وكانت تعتبر «بيجه» و«جندوبة» هي مناطق التمويل الغذائي لروما وتتبعها مدينة «دقة» وبها آثار ومعابد رومانية وهي منطقة ساحلية كان المستعمر القديم يفضل الاستقرار بها لتكون مناسبة لحركة تجارتهم عبر البحر، كما ان الجبال التى تحيطها كانت مفيدة لاستقطاع الاحجار منها لبناء معابدهم واسواقهم وبيوتهم.
حسن الضيافة والابتسامة الودودة وحرارة الاستقبال هو سمة الشعب التونسي في استقبال ضيوف بلادهم وهي مفاتيح لفن ادارة الحياة من قبل تدوين التاريخ الذي شهد على تناغم الاديان والثقافات، وكانت مناسبة سارة حين حضرنا مهرجان مايو لحفل الحصاد السنوي الذي أقيم في القصبة القديمة حيث يشمخ حصن عثماني فوق تلة عالية.، وهذا العيد تاريخي قديم تقام أفراحه وليالي ملاحه بشكل مختلف وتحضره العائلات في جو من الالفة والحميمة والجميع يصفق او يغني او يرقص في ليالي الكاف الجميلة.
للعيد طقس غذائي لا يتكرر الا مرة بالعام، ففي صحون من الخزف تناولنا طبق الكسكسي الابيض بالمكسرات وفوقه «علوش- لحم خروف» ومع تناول هذا الطعام اللذيذ عشنا أجواء من المرح مع عدد من الفرق الشعبية المشاركة في احياء حفل مايو بملابسهم الفلكلورية، كما أمتعنا عددا من المطربين بالكثير وكانت سبق القيادة لفرقة الراشدية بقيادة الفنان الجميل الصوت والعذب الاحساس زياد غرسه الذي قدم «لايف» أغنيات من التراث التونسي، ومن الموشحات الاندلسية احتسينا الشاي بالنعناع وما ان غادرنا حتى قدموا لنا قطرات من ماء الورد على الايدي على أمل لقاء آخر حتما سيعيدنا لدفء تونس.

العلامة بوعلاق
تتمازج وتتداخل المتعة والترفيه بالمعرفة في «الكاف» فحين حل المساء بعد زيارة التنوع الثقافي والديني في «الكاف» مع العلامة الاثري رشيد بوعلاق الذي أخذنا الى مرقد «ولي صالح» اسمه «سيدي مخلوف» فاحتسينا الشاي بالنكهة التونسية فأخذنا في جولة رائعة للتعرف على آثار مدينته الحبيبة «الكاف» والتي قام بترميم العديد من مبانيها الاثرية والتراثية بنفس المواد التى صنعت منها.فهذا الرجل علامة نادرة في العالم العربي وموسوعة تمشي على قدمي التاريخ فمن ابن مقاول الى رجل يحصد انفاس التاريخ بحب وحيوية.
وبوعلاق هو الذي أشار لنا ان معمار جامع الزيتون في القصبة بالعاصمة يختلف عن الاثار الاسلامية في جامع القيروان من حيث شكل القباب والاقواس والزخارف وهذا يدل على ثراء الزخرف الاسلامي الذي استفاد من الفتوحات ونهل من فنونها.
العلامة التونسي الكبير اراد الاستدلال على تعددية ثقافة الشعب التونسي فأخذنا في جولة لزيارة الاثار اليونانية والرومانية والعثمانية وعرج بنا الى معبد يهودي وكنيسة للمسيحيين في منطقة واحدة مع المسجد الاسلامي وهو سر انفتاح العقلية التونسية التي مرت بها ركب حضارات جمة.

عين الرعب إلى طبرقة
حين انتهت زيارتنا للكاف كان الوقت يشارف على المساء، فبدأت الدنيا تظلم قليلا ونحن علينا الذهاب الى مدينة طبرقة التي هي على بعد ساعتين من الكاف – بحسب سرعة السائق- لنبيت بفندق هناك، فسرنا مع الطيب هشام الى مناطق بها جبال عالية جدا تبدو مخيفة في الظلام ولا سيما انها مكسوة بالاشجار.. غابات مظلمة على امتداد البصر، وهي بكر في طبيعتها،طرق متعرجة على الجبال صعودا ونزولا، وتخرج لك الثعالب «الجميلة» التي تبرق عيناها لنا (عازمة نفسها على بوفيه مكون من لحومنا البشرية.. يا للمصير) وهشام يقود السيارة بهدوء لكي لا نصطدم بحيوان يظهر من بين الاشجار «مشهينا» وفي الطرقات المبسطة في القرى الجبلية يسرع أكثر لنلاحق الوقت، فجدول برنامجنا حافل ومرهق.
حين مررنا على «عين دراهم» وهي منطقة جبلية سخية في طبيعتها الخلابة، متنا رعبا من التواءات الطريق مع انه مرصوف بشكل جيد الا ان التفاتاته صعودا وهبوطا مرعبة وخصوصا في الليل…
«عين دراهم» وصولا الى «طبرقة» التي لها جمالها و«دلعها» الخاص، والمشهورة بالذهب الاحمر وهو المرجان الطبيعي الموجود في أعماق البحر المتوسط من جهة طبرقة بشواطئها الرملية الناعمة وجبل الابر المقابل لحصن عثماني قديم، ليتحدث عبر هدير المتوسط الى مجابله الجنوب الايطالي، هنا نام التاريخ الذي بنى مسارحه الرومانية فأقامت بلدية «طبرقة» على مسرح يوناني قديم «مهرجان الجاز العالمي» فلم يتسع المكان لمئات الفرق الحاضرة من أرجاء العالم لتقدم فنون «الجاز» لجمهور كبير، فقامت الحكومة التونسية ببناء مسرح على النمط المعماري اليوناني كبير وواسع جدا محفوف بتقنيات عالية ليليق بمهرجان عالمي كالذي تحتضنه «طبرقة».

القيروان
مر التاريخ الإسلامي مع رافع علمها القائد العربي عقبة بن نافع فولدت «القيروان» في القرن السادس الميلادي التي كانت عاصمة الدولة الاسلامية وهناك مسجد يحمل اسم عقبة بن نافع وهو تحفة معمارية بأعمدته الشهيرة ويلحق بالمسجد مقبرة لمدافن المسلمين الذين دخلوا مع الفتح الاسلامي كما يوجد به عدة مزارات واضرحة ومنها «زاوية» الصحابي الجليل سيدي الصحبي وهو حلاق الرسول صلى الله عليه وسلم…
في القيروان ملامح واضحة للهندسة الاسلامية من قباب ونقوش وزخارف وتوظيف الخزف في انماطها المعمارية الثرية جدا بفنونها، مساجدها وأسواقها وبيوت ساكنيها فمنحتها التنوع والثراء الذي لاتشبه أي مدينة أخرى، ولانها من المدن المقدسة بفضل ماضيها الاسلامي العريق توجد عدة مساجد عتيقة غير مسجد عقبة ابن نافع ومسجد الابواب الثلاثة والمسجد الجامع وغيرها الكثير .
وبسبب شح الماء انشأ العرب مواقع لتجميع المياه لاستخدامات الحياة اليومية،كما تتوافق القيروان مع رفيقتها مدينة المهدية في اتساق تاريخي قديم من حيث اهتمام الاولى بصناعة السجاد (الزرابي المنسوج) والنحاس وشهرة الثانية بصناعة النسيج.
ان المعمار الهندسي والفني الجميل جدا لمدينة القيروان يدهشك بتفاصيله ومنمنماته وموتيفاته مثل المنبر الخشبي القديم في مسجد بن نافع فهو موجود من يوم الفتح الاسلامي وحتى اليوم وأصبح مزارا لكافة المسلمين ويعتبر شاهدا اسلاميا نقيا على مرور الفتوحات الاسلامية من هنا وانطلاقا منها الى دول افريقيا واوروبا، يوم كانت بلاد الاسلام عامرة بشمس الاستنارة والقوة.

حمام بورقيبة
في منطقة المرادي الساحرة الجمال والنظافة العالية الصحة يقع منتجع استشفائي من الطراز الفريد اسمه «حمام بورقيبة» يملك سحرا لوجوده بين الجبال والمرتفعات الشاهقة المغطاة بأشجار الصنوبر والبلوط، تنساب المياه المعدنية المعروفة منذ أقدم العصور بميزاتها العلاجية الفريدة بمنطقة شمال افريقيا.
في هذه المنطقة التي أصبح بها «حمام بورقيبة» موقعا لاستقطاب السياح من كل العالم، ووجود فندق في حمام بورقيبة ليقضي زواره وقتا طيبا ومريحا و(آخر دلال) يجعلهم يتمتعون بخدماته الصحية المتعددة لاستعادة لياقتهم الجسمانية وعافيتهم الصحية. كما يقدم تدريبات متخصصة للرياضيين لتجديد نشاطهم.
يعمل في حمام بورقيبة عدد كبير من خيرة الاطباء التونسيين، فيكشفوا على الحالات قبل توقيع العلاج المناسب لها، ومن ثم يقررون نوع ما يقدم لهم وهو مختلف ومتنوع ففي كل غرفة من غرف الفندق بأجنحته المتعددة وبمنازله الصغيرة المستقلة نوافذ واسعة لتتمتع بالشمس، ومزود الجناح الرئاسي بمركزه الخاص للعلاج وتتوافر في جميع الغرف بكل مستوياتها شرفات «بلكونات» تطل على جنة الله على الارض يقدم حمام بورقيبة بفضل تجهيزاته المتطورة وبأساليب علاج يحدده طبيبك هناك، انواع من العلاجات منها العلاج بالصدمات الى تقنية التدليك الياباني «الشياتو» الى العلاج بالبرافين الى الاسترخاء الى التدليك اليدوي للمفاصل ولحالات دوالي الساقين «عرق النسا» التي تصيب الشرايين بالتصلب الى العلاج بالطحالب البحرية، او بالطين المعدني «تحفة» حمام بورقيبة هو العلاج بالمياه المعدنية الطبيعية العالية الجودة والتي تتوافر بها الاملاح الكثيرة التي تتفاعل وتؤثر على الجسم ما يضمن نتائج بيولوجية مذهلة، من خلال حمام واسع تقوم مضخات الماء بعمليات التدليك بحسب حالتك، كما انه المكان «الشرعي» الطبي المناسب لمن يعانون من آلام المفاصل (آلام الرقبة الركب ومرضى الديسك وعلاج للاقدام الثقيلة) وعلاجات خاصة لمقاومة التوتر بالعلاج بالمياه الكبريتية والطحالب البحرية، وان احتاج مرضى الربو الصدري الى مكان جاف طبيعي على الجبل فمنطقة المرادي وحمام بورقيبة هما المكانان المثاليان لهذه الحالات.
الكثير من الزوار الذين التقيناهم كانوا يشيدون بهذا المنتجع الفريد من نوعه فمنهم من تداوى بالادوية الكيماوية ومنهم من اجرى عمليات جراحية ولم يستفيدوا شيئا، وبناء على نصيحة محبيهم جاؤوا الى حمام بورقيبة، فوجدوا حلا للداء بالعلاجات الطبيعية وهم «يداومون» كل عام في حمام بورقيبة لقضاء اسبوعين للعلاج أو الاسترخاء.

فخار نابل
على امتداد الطريق لمدينة «نابوليس» وهو اسمها الروماني والتي أصبحت «نابل» وهي منطقة الوطن القبلي نجد صناعات الخزف والحصير والتطريز والدانتيل في الهواء الطلق أو نجد مبنى تحول الى متحف «خابية» وهو لتخزين لحوم أضاحي عيد الاضحى ويتم وضعه مع الفلفل والطماطم والزيت ويعتبر «مونة» عام كامل.
وفي نابل افران لصناعة الطين من ايام الفينيقيين وهو ما جعلها تورث هذه المهنة من قرون سابقة بالاضافة لوراثتهم مهنة تمليح الاسماك. وتشتهر نابل بصناعة الفخاريات لكل احتياجات الحياة من صناعة أطباق «الكسكس» الى الاستخدام الكبير لفخاريات الزينة وأصص المزروعات بأحجام مختلفة، كما فخاريات الانارة المعمولة بشكل فني جميل وكلها تلون على ايدي حرفيين مهرة في الفضاء الكبير وتحت أشعة الشمس التي تعكس جمال الوانها ليس ذلك فحسب ففي الطريق الى نابل ومن ثم الحمامات الباهرة وسوسة الجميلة تجد منازل هي قصور تركها اصحابها لأحفادهم فأصبحت متاحف شخصية بها كل طرق المعيشة والازياء والاكسسوارات التونسية التراثية القديمة والتي اندثرت الان، كما ان الطريق نفسه به مكان خاص ايضا للزراعات العضوية خصوصا النباتات العطرية التي تصنع لتكون مواد تجميلية وعلاجية للعناية بالبشرة والشعر، وكريمات الترطيب للوجه واليدين والجسد.

الريفيرا التونسية
مدينة الحمامات هي حالة خاصة ساحلية اخرى تتميز بكثرة التشجير وبساحل بحر خيالي، بيوتها البيضاء ذات الدور الواحد او الاثنين والابواب والشبابيك التركواز جميلة يزينها نسبة التشجير الكثيفة، مقابل بحر فيروزي اللون، به شاليهات للتأجير ومراكب للخروج في جولة بحرية للوصل للحجزر او «حيا الله جولة وناسه»، كما قصة السندباد البحري تخترق عباب مياه البحر المتوسط تشعر انك في مدينة اسطورية قرانا في طفولتنا.
تملك مدينة الحمامات خصوصيتها في تناغم بين العربي والغربي، ففيها القصبة والمدينة العتيقة كما تتميز بحصون تاريخة قديمة، وهي تعتبر مع سوسة ريفيرا تونسية آية في الجمال ومنحتها خبرتها في استقبال السائحين من جميع انحاء العالم لتقديم كل ما هو مريح وترفيهي ومنهم منتجع ياسمين الحمامات الصحي والعلاجي والاسترخائي الترفيهي ويشرف عليه خيرة الاختصاصيين.
سوسة ايضا هي حكاية اخرى من الابداع التونسي فهي ملكة الساحل اللازودردي بكل ماتعني هذه الكلمة من رفاهية العيش وترف المكان.

دفء المنطقة القديمة
بعد جولة مضنية في عدة مدن تونسية تحتاج الى وقت لتعيشها أكثر، جولة اخذت منا ايام متسارعة ومتلاحقة الانفاس تقترب رحلتنا على النهاية، الا ان بلدا بهذا الجمال يأبي ذلك، تستقبلك العاصمة تونـــس بدفء انساني حميم، فهي بعد وقت من الراحة تأخذ بيدك الى شارع الحبيب بورقيبة والذي يتسم بحراك حيوي كبير، فهذا الشارع نسخة طبق الاصل عن شارع الشانزليزيه في باريس ويتميز بكثرة مقاهيه المختلفة ويقع هذا الشارع في المدينة الحديثة فنرى المعمار الفرنسي لثلاثينات القرن الماضي، كما ان انارة الشوارع تشبه ما هو موجود بالشانزليزيه، وايضا يوجد المسرح البلدي العريق الذي تم تشييده في عام 1902 وتعرض به العروض المسرحية والمعارض الفنية.
هذا الشارع هو قلب العاصمة التونسية النابض بالحياة والذي لا يهدأ بسبب توافر كل ماتحتاج اليه من مكتبات و«مغازات»محلات تقدم كل احتياجات الحياة، وهو محاط باحياء مازالت تحافظ على ملامحها الاصلية. كما ان شارع ابن خلدون (حبيبي وتاج راسي) والمتفرع من شارع الحبيب بورقيبة به دار سينما المونديال مع انه لا أفلام تونسية وأجنبية تعرض الا فيما ندر، وليس لديهم «كم» من الانتاج السينمائي الكبير، ويستغل مسرح المونديال لتقديم عروض مسرحية كالتي شاهدنا روعتها في العرض المسرحي الجميل «يحيى يعيش» للمخرج التونسي المبدع الفاضل الجعايبي عن نص لجليلة بكار عن الفساد المتفشي في كل مكان والذبح المعنوي لوزير مسؤل كان على راس سلطة وزارتة وتم تقديمه باسلوب المخرج الالماني برتولد بريخت.

عشقت السوق العربي
تسير قليلا ولا تشعر بالتعب فالطقس جميل ونسيمه منعش، وتونس العاصمة تنقسم الى منطقتين واضحتين… المنطقة الحديثة وهي لفترة الاستعمار الفرنسي وبعض المعالم الايطالية المعمار. والمنطقة الاخرى هي القصبة والتى بناها العثمانيون قبل ستمائة عام وتحمل الهوية العربية الاسلامية، وهي مقر الوزارة الاولى الان… يمتد بعدها السوق العربي القديم الذي وقعت في غرامه من النظرة الاولى قبل عامين، وهو يحيط بمسجد الزيتون، في القصبة نلاحظ المعمار الاسلامي العثماني فكل المدائن العربية كان المسجد هو محور المنطقة وتليه الاسواق وبعده البيوت والمرافق الاخرى، هنا في «القصبة» التى عشقتها تأخذك لقرون ماضية، تشم رائحة عبق التاريخ الممتد الى يومنا هذا.
السوق العربي عشقتة بأزقتة وطرقاتة الضيقة والمتعرجة، التى تعلوها القباب مرة والمفتوحة بلا أي سقف مرة أخرى، وهذا السوق يشبه حي الحسين في مصر، تشم نكهة البهار وترى الصناعات الفخارية التقليدية من الفضيات التونسية الشهيرة وصناعة النحاسيات المنقوشة والمنتجات الجلدية والجبة التونسية مع البرنس المصنوع من وبر الابل والشاشية «طربوش «الرأس للرجال والجلابيات النسائية الشهيرة، و«زرابي» القيروان وقابس، وهو سجاد تتفنن نساء القيروان في صنعه يزدان بالزهور المحاكة أوالزخارف الاسلامية الثرية التى نراها فيما بعد في القيروان المدينة الاسلامية الخالصة أو بالمرقوم بألوانه الزاهية والمزين برسومات بربرية بالاضافة الى الحلى المطعمة بالاحجارالكريمة.
اصوات الباعة التى «تعتقد» انك مواطن فرنسي، تدعوك باللغة الفرنسية الى داخل محلاتها الصغيرة المتراصة في طرقات ضيقة متعرجة، هنا التاريخ العربي الاسلامي مجسدا أمام عينيك، فترى منشآت البايات (على باي حسين وحمودة باشا وهم من اصول عثمانية عشقوا تونس فبقوا بها.. ووالله انك تستاهلين العشق يا تونس) وهم ساهموا في تجميلها وتشييد العديد من المعالم بها، والكثير من البيوت القديمة والتى هي بعمر هذا المكان (بين 600 الى 400 سنة) تحولت الى مطاعم تحمل خصوصة التراث التونسي. منهم دار حمودة باشا وديوان الجلد ودار الباهي.وغيرهم الكثير .
وكلما دخلت زقاق شعرت ان زقاق صغير سلمك لآخر، يأخذك لأجواء أساطير قصص «ألف ليلة وليلة» ففي هذا المحل الصغير ذو السقف العالي، الذي ينتهي بقبة او قباب متعددة أستحضر قصة التاجر العيار المكار، وسقوطه في شر أعماله، وأرى تلك المرأة الجميلة التى هبطت لسوق المدينة لتشتري الحراير والمجوهرات المطعمة بالاحجار الكريمة قبل أيام من زواجها بـ«ابن الحلال» شهريار… القاتل الجبار.

جامع الزيتون
تعلو القباب أزقة السوق فأتذكر قصص النجارين والحدادين والعيارين من مدعي المهن، تنتشي روحي وانا أسير بجذل شديد وسعيد حتى نلتقي سور وبوابة ضخمة هي لجامع الزيتون العريق.
هنا… وقفت عاجزة عن الحركة، وهو ما حصل معي في جامع عقبة ابن نافع في القيروان الاسلامية. نابتني اهتزازت الروح متداخلة مع الشوق والوجد والحنين لعصر التنوير الاسلامي الذي اخرج لنا الكثير من العلماء والمفكرين ومنهم الشاعر ابو القاسم الشابي الذي كنا ندرس قصائده من ديوان «اغاني الحياة» ونحن على مقاعد الدرس.
باحة واسعة تتطاير بها أزواج الحمام، تحيطها أقواس الاعمدة للرواق ومن ثم غرف الدرس، ياااااااااااااااااااااا الهي…
هنا سار في هذا «الحوش» وفي تلك الباحة التى دخلتها بعد ان غطيت شعري، كان الكثيرون من مفكري وعلماء عصر التنوير الاسلامي، هنا سار العلامة المؤرخ عالم الاجتماع العربي ابن خلدون أسمع حفيف «الجبة» التونسية وهو يخطو ياتجاه فصل دراسي، وأراه يذهب الى صومعتة ليقدم تحليله السوسولوجي لقراءة المجتمعات الانسانية، هنا..سار رجل عظيم تاثرت بعقلانيتة كثيرا،ولم أكن أتمنى استحضاره ليرى خيبة العرب وهزائمهم وفرقتهم وشتات المجتمع العربي الذي عمل دراساتة البحثية لاجل تطوره، خفت استعادة حبيب قلبي فقد «يندق و…يموت» من القهر!.
هنا كان «حبيب قلبي» ومؤسس وعيي والذي أدين له بالفضل الكثير العلامة التونسي ابن خلدون، وهو مؤسس علم الاجتماع في العالم أجمع، ولا زالت نظرياتة تدرس في أعرق الجامعات العالمية.وهو الذي فتح ابواب العلم في جامع الزيتون التى كانت قاصرة على حلقات الدرس حول الأئمة والمشايخ للاستزادة من علوم الدين ومقاصد الشريعة، فكان للعلامة الكبير ابن خلدون دورا في تحويل جامع الزيتون الى نهج التعليم النظامي فأصبحت مؤسسة جامعية لها مناهجها المختلفة.

صليت فبكيت
ما زال حفيف «جبة» الغالي ابن خلدون يصل لمسامعي ويرتد الي صوتة في مناقشات مفيدة مع طلابه ومريديه، لم أكن أتمنى استحضاره..
ليرقد بسلام،… لا أريده ان يحضر ليرى خيبة العرب وهزائمهم وفرقتهم وشتات مجتمعهم وسياسيهم وفساد اقتصادهم ونهب ثروات الوطن ورفع سيوف العبودية على البلاد والعباد…
أحكمت غطاء رأسي…
أدرت وجهي صوب القبلة…
صليت و… بكيت!

http://www.alraimedia.com/Alrai/Article.aspx?id=211302&date=23062010

انشر هذا الموضوع