بارما.. مدينة ايطالية تتحرك فيها جميع الحواس
2007-05-06
بارما.. جوهرة العمارة والموسيقى والعطور والطعام اللذيذ
(إيطاليا): عبد الرحمن البيطار
اذا كنت من محبي جبن البارمزان أو من المعجبين بموسيقى فردي أو تسجيلات توسكانيني لابد لك من زيارة مدينة بارما الساحرة هذا العام خاصة في فصل الربيع لانها تحتفل بالذكرى الخمسين لوفاة قائد الاوركسترا الشهير ارتورو توسكانيني ابن بارما الذي اكتسح نيويورك ومات فيها عام 1957. خصصت بارما العام الحالي لاحياء ذكراه بالحفلات الموسيقية وبالاطباق الجديدة المبتكرة التي تحمل اسمه والتي لا بد ان يدخلها جبن البارمزان أو كما يسمونه بالايطالية: بارميجانو ريجانو.
* وادي الأكل الجيد تقع بارما في شمال ايطاليا في منصف الطريق بين بولونيا وميلانو ولا يتجاوز عدد سكانها 170 ألف نسمة ويخترقها نهر جميل في وادي نهر «بو» حيث تقع أخصب أراضي ايطاليا وتسمى المنطقة باستحقاق «وادي الاكل الجيد» وهي مشهورة بفن العمارة وبجمال الريف المحيط بها. كانت بارما عبر التاريخ مدينة اترورية منسوبة الى اتروريا وهي بلاد قديمة في وسط وغرب ايطاليا احتلها الرومان عام 183 قبل المسيح. اجتاحها البرابرة بقيادة اتيلا ثم أصبحت جزءا من الامارة البزنطية في رافينا بشرق ايطاليا. كان للفرنسيين نفوذ كبير فيها حين انشأت دوقية بارما عام 1748 وغدت ماريا تريزا الاميرة النمساوية وزوجة نابليون السابقة دوقة بارما بعد هزيمة نابوليون وتشجيع السياسي النمساوي المحنك مترنيخ لها على تسلم ذلك المنصب. نجد الان في المطبخ المحلي تأثير فرنسا والنمسا على الاطباق المعروفة في المدينة.
خلال الحرب العالمية الثانية كانت بارما مركزا مهما للمقاومة ضد الفاشية والنازية لان أهلها يمتازون بالروح الوطنية وحبهم للفن والموسيقى الايطالية ويعتبرها البعض مدينة الثقافات التقليدية الارستقراطية. أما جامعتها فهي من أشهر الجامعات في ايطاليا وأقدمها. تشتهر بارما بفريق لكرة القدم من الدرجة الاولى كما أن الكاتب الفرنسي ستاندال خلدها بروايته الصادرة عام 1839 عن «صومعة بارما» التي تجري أحداثها اثناء عهد نابوليون وتعتبر من الروايات الواقعية الرائعة التي حولت الطريق عن الروايات العاطفية الرومانسية وأثرت على انتاج بلزاك وتولستوي وتجعلك تقبل على القراءة بالرزانة والعناية والاستغراق المطلوب.
من الاسماء المعروفة لمشاهير هذه المدينة المحببة الموسيقار الكبير جيوسيبي فردي ملحن اوبرا «عايدة» التي تجري أحداثها في مصر الفرعونية وقد ولد فردي في قرية صغيرة ملاصقة لها وهناك الان المخرج السينمائي برناردو برتلوتشي مخرج فيلم «الامبراطور الاخير» في الصين والكاتب البرتو بيفلاكوا والصناعي غويدو باريلا رئيس شركة باريلا للمعجنات والمعكرونة وكان جده من عائلة متواضعة ورث عن أبيه مخبزا لانتاج الخبز والكعك أما الان فمعامل باريلا تنتج يوميا 700 طن من المعجنات و150 طنا من الخبز وتباع منتجاتها في كافة أرجاء العالم مثلما تباع منتجات شركة بارمالات للحليب والالبان التي تعاني حاليا من مشاكل مالية بعد افلاسها.
تحاول كل مقاطعة أو مدينة في ايطاليا ترويج مباهجها السياحية بشكل يجعلها فريدة من نوعها وتسعى بارما الارستقراطية المسترخية الى التأكيد على وجبات الطعام وحسن الاكل في جو فني مرهف وعراقة ثقافية تعود الى الموسيقى الكلاسيكية والمتاحف فالسياحة في ايطاليا تمثل موردا هاما في ميزانيتها لكنها تراجعت بعض الشيء في السنوات الاخيرة اذ أصبحت الدولة الرابعة في العالم التي يقصدها السياح بعد أن كانت الاولى أو الثانية وغدت الولايات المتحدة في المركز الاول حسب احصائيات عام 2004 حيث وصل دخلها من السياحة الى حوالي 76 مليار يورو (أو 100 مليار دولار) بينما احتلت اسبانيا المركز الثاني وتتبعها فرنسا أما دخل ايطاليا من السياحة فقد بلغ حوالي 29 مليار يورو (أو37 مليار دولار) في نفس العام.



التعليقات