من دفتر ذكرياتي (أول رحلة لإندونيسيا)
2007-09-08من دفتر ذكرياتي …
أعشق تدوين ذكرياتي، وسردها بأسلوب قصصي، وحفظها في مكتبتي الخاصة، وعرضها على من أحب .. وأنتم ممن أحب.
أولى زياراتي لإندونيسيا (سنة 1998م).
مضى قرابة العشر سنوات على أولى رحلاتي لإندونيسيا، وما زالت تفاصيل تلك الرحلة راسخة في ذاكرتي، تأبى أن تطوي صفحتها في عالم النسيان .. وهنا سأستعرض مقدمة بسيطة عن هذه الرحلة كيف تمت، مع عرض ثلاث مواقف .. الأول/ موقف صعب .. والثاني/ موقف مخيف .. والثالث/ موقف مضحك .. متمنياً أن تجدوا ما يسركم وما قد يفيدكم في السطور الآتية:
قررت أن تكون أولى رحلاتي الخارجية لأرض الكنانة مصر .. لكن إرادة الرب شاءت غير ذلك، بعد أن زارني في منزلي صاحبي سعد وأنا أوشك على الخروج لقص تذكرة السفر لمصر، وكان سعد قبل يومين فحسب قد أتى من إندونيسيا .. وما أن أخبرته بعزمي السفر لمصر وأنني ذاهب الآن لقص تذكرة الرحلة، إلا ورجاني أن أعطيه من وقتي القليل قبل الذهاب لقص التذكرة .. ودخل بيتي ومعه شريط فيديو طلب مني تشغيله، وكانت مشاهد الشريط للجبل بنجاك وتامان سفاري والشلالات وأشياء أخرى .. وكان الحب من أول نظرة، تعلق قلبي دون مشورة عقلي، وغير صاحبي سعد مساري من أرض الكنانة مصر إلى أرض العمة إندونيسيا.
وأعطاني سعد معلوماته عن إندونيسيا .. فندق السنترل .. الثري هورس .. بلازا أتريوم .. أنشول الترفيهية .. مطعم أميره .. مطعم حضرموت .. بلانت هوليوود .. الجبل بنجاك .. تامان سفاري .. شلالات البنجاك .. بوقور.
عرضت على صديقي ماهر فكرة السفر لإندونيسيا، وأجاب الأمر دون تردد، ذلك أنه مثلي يرغب خوض مغامرة شبابية خارجية بعد أن ملّ صحبة أهله للبلدان العربية، ولعب دوره في الرحلة مراقبة إخوته الصغار حتى لا يضيع أحد.
موقف صعب:
بينما كنت واقفاً في صف كاونتر الجوازات في مطار سوكارنو، تناهى لمسامعي حديث ضابط الأمن الإندونيسي الذي عكف على تسجيل دخول المسافرين رسمياً للبلاد، كان حديثه عبارة عن أسئلة يوجهها للعرب باللغة الإنجليزية، ولم أكن حينها قادراً على الخوض بأي حديث أو حتى فهمه باللغة الإنجليزية، وأيضاً كان صديقي ماهر كذلك .. فشعرت بصعوبة الموقف، ماذا لو سألني ولم أقدر أن أجيب، أخشى أن تحدث لي مشكلة، تملكني الخوف وأنا ألاحظ أن دوري يقترب ويقترب .. وكان بجانبي شاب سعودي لوحده، التفت إليه وسألته ما إن كان قد سبق وأن أتى لزيارة إندونيسيا .. فأجابني بنعم وأن هذه ثالث مرة يأتي إليها .. فأخبرته أن هذه أولى رحلاتي الخارجية، وأنني أخشى أن أواجه مشكلة إن قام ضابط الأمن بسؤالي باللغة الإنجليزية ولم أقدر أن أجيبه ولو على سؤال واحد .. فضحك وطلب مني أن أتبع تعليماته، وكان شاباً مرحاً للغاية، قال لي: “شف يا أبو الشباب .. إذا سألك بالإنجليزي هزّ راسك وقل (yes) إلى ما يخلص كلامه” .. وقمت بكامل تعليماته، هز الرأس مع كلمة (yes)، وكان ضابط الأمن يقول لي: “مرحباً بك في إندونيسيا”، وأنا أقول له (yes) .. ويسألني أين ستقيم في جاكرتا أم خارجها، وأنا أجيب بـ(yes) .. ويسألني الغرض من الزيارة، وأجيب بـ(yes) .. وهكذا مضى الحال بـ(yes)، وهو يضحك عليّ حتى ختم الجواز ومررت منه .. وكان المضحك أكثر صاحبي (ماهر) الذي كان دوره بعدي، ما أن أعطى رجل الأمن الجواز إلا وقال له وهو يشير عليّ: “أنا سم سم هذا” أي أنني مع هذا الرجل، وانفجر ضابط الأمن ضاحكاً وبادله ماهر نفس الضحكة .. والحمد لله مررنا بسلام.
موقف مخيف:
وأنا أقبل رأس والدتي قبل الرحيل كانت تردد على مسامعي بنبرات الخوف على فلذة كبدها قائلة: “انتبه يا ولد لا يذبحونك .. لا يسرقونك .. لا يخطفونك” .. لم تترك شيئاً إلا وحذرتني منه، وهذا طبيعي فهي أم، وابنها يسافر بعيداً عن حِماه .. وذات مرة في الجبل بنجاك، طلبت سيارة أجرة تقلني للبقالة لإحضار بعض النواقص لإعداد العشاء .. وأحضر حارس الفيلا سيارة جيب لتقلني، وكانت تلك أول مرة أركب بها سيارة أجرة دون صاحبي ماهر .. ركبت سيارة الأجرة ووصلت للبقالة واشتريت أغراضي، وفي العودة أراد سائق السيارة أن يسلك طريقاً بعيداً للفيلا حتى يُحتسب له أجر إضافي، وأثناء تجواله في الأزقة لاحظت أن الطريق قد طال زمنه واختلفت ملامحه، فخشيت أن هذه عملية اختطاف بقصد السرقة، تملكني الخوف، ولم أعرف الكلام معه غير الترديد: “وين رايح .. وين رايح” .. ولم يتكلم معي لأنه لا يتحدث العربية .. وتذكرت تحذيرات والدتي، وقلت يا ليت أني سمعت كلامها، وشعرت بشللٍ كامل، وظللت أنتظر اللحظة التي يُدخل بها السائق السيارة في أحد الأوكار ويقول لي: “جيب فلوس أنت” .. لكن ولله الحمد مرّ الأمر بسلام حين وصلنا للفيلا .. واعذروني ففي تلك الرحلة كنت صغير العمر، نحيل الجسد، وسائق السيارة ضخم البنية وذو ملامح قاسية، غير أني غريب عن البلاد.
موقف مضحك:
الموقف المضحك الذي لا أنساه في رحلتي الأولى، هو أنني لم أتمكن من التأقلم بسرعة مع حسبان العملة الروبية وما يعادلها بالريال السعودي، فالروبية تتحدث بالملايين ومئات الألوف، وهذه أرقام نبتلع الريق حين نسمعها مع العملة السعودية، وكان سعر الصرف وقت رحلتي هذه، المائة دولار يساوي مليون وثمانمائة ألف روبيه .. وحاولت حلّ المشكلة بطريقة مضحكة، لكني وجدت نفسي مضطراً لها حتى لا أبدو غبياً في نظر الجميع أدفع ولا أدري كم دفعت، وكانت طريقتي وضع آلة حاسبة صغيرة في جيبي، وقبل دفع أي مبلغ أقوم بإخراج الآلة وحساب كم يساوي بالريال السعودي، وقد نال هذا التصرف ضحك الكثير علينا من أصحاب المحلات وسيارات الأجرة .. وذات مرة قررنا عدم الاعتماد على الآلة الحاسبة والاكتفاء بالتقدير حتى نعتاد على العملة .. وبينما أنا عائد من أحد الأماكن للفندق، كان المبلغ الواجب دفعه حسب عداد الأجرة (14.200) روبيه، وأعطيت سائق سيارة الأجرة 15.000 وطلبت منه إعادة الباقي، إلا أنه تجاهلني، وكادت أن تحدث مشكلة مع إصراري طلب الباقي ومع رغبة ماهر بالشجار ومع تجاهل سائق الأجرة لمطالبنا .. وفي نهاية الأمر اقترح عليّ ماهر حساب المبلغ بالآلة الحاسبة، وبعد حساب المبلغ وجدنا أن الفرق أقل من ربع ريال، ونزلنا من السيارة دون أن نقول شيئاً، وما أن وصلنا للغرفة إلا وانفجرنا ضاحكين على الموقف، وطلب مني ماهر الاعتماد على الآلة الحاسبة، أفضل من أن نتعرض لمشكلة من أجل لا شيء.
ثلاثة مواقف أتمنى أن تكون قد نالت رضاكم.
وأقدم لكم ما تبقى من الصور بعد ضياع العشرات مع مضي الزمن .. بالكاد عثرت على هذه وأتمنى أن تحوز على إعجابكم:
من نافذة فندق السنترل، الشارع الرئيسي الذي يشرف عليه الفندق:
https://www.otlaat.com/almosafr/up/uploads/9a5935dcc6.jpg” alt=”” />
أول فيلا سكنتها في الجبل بنجاك .. فيلا جميلة بها ستة غرف نوم، وملعب تنس أرضي، وملعب كرة سلة، ومسبح، وبجانب الفيلا جدول صغير تعبر منه المياه المنحدرة من أعلى الجبل لأسفله، ما زالت نغمات تلك المياه تداعب مسمعي حتى اليوم .. والمضحك أنني في زيارات عدة للجبل بنجاك لم أتمكن من تحديد موقع هذه الفيلا رغم أني عرضت الصور على معظم سكان البنجاك، وجميعهم لم يعرفوها .. وتبقى مع الأيام ذكرى جميلة:
https://www.otlaat.com/almosafr/up/uploads/ba924abc79.jpg” alt=”” />
حديقة الفيلا .. مسطحٌ أخضر .. يلفه سور من الأشجار العالية:
https://www.otlaat.com/almosafr/up/uploads/bf0bdfa031.jpg” alt=”” />
ولا أنسى هذا المكان الذي هو تحت مظلة الفيلا التي نحتمي بها من قطرات المطر حتى ننعم بجمال الحياة من حولنا، السماء الملبدة بالغيوم، وأعذب ألحان الطيور، وصنع رب الكون.
https://www.otlaat.com/almosafr/up/uploads/bc51a7b160.jpg” alt=”” />
وهنا أبيات وداعية لإندونيسيا كتبتها في آخر يومٍ من الرحلة في إندونيسيا .. أبيات “مش حالك” وكانت في بداية مشوار كتابة الشعر بالنسبة لي .. أتمنى تعجبكم .. أقول فيها:
[poem=font=”Simplified Arabic,4,black,normal,normal” bkcolor=”transparent” bkimage=”” border=”none,4,gray” type=0 line=0 align=center use=ex num=0,black]
سأرحل عنكِ يا درة الديار=سأرحل عنكِ والشوق نار
لرؤياكِ مرةً أخرى=لرؤياكِ متى حلّت الذكرى
القلب على فراقك حزين=والدمعُ قد أغرق العين
سيقتلني الهمّ لا محال=وبذكراكِ سأسهر الليال
بأرضكِ حلَّ علي الفرح=ونسيتُ كل أمرٍ جرح
بطيبة شعبكِ النبيل=ونسيم جبلك العليل
لن يطول بيننا الفراق=فقريباً سيكون الوفاق
لا بد للزمان أن يجمعنا=مثلما يوم قد فرقنا[/poem]
تقبلوا خالص التحية والتقدير والاحترام.


التعليقات